Translate

الجمعة، 1 يونيو 2012

+ محرّكَاتُ البَشَر


حنافي جواد

محرّكَاتُ البَشَر



    يتحـرك البشرُ؛ تحركَ الفاعلِ أو المنفعلِ؛ لأسباب متعددة جلها آيلة في الأخير إلى عناصر مركزية. والمادة من أهم المحركات البشرية كذلك شهوة البطن والفرج. والإنسان في حاجة إلى المال لتغذية البطن والفرج. ثم إن الأحداث الواقعة في العالم بأسره؛ من حروب وفتن وأفراح ونشاطات...سببها الدافع إليها المال والبطن والفرج أو تلك الأسباب مجتمعة.
    يعد المال والبطن والفرج من المفاهيم المركزية الرئيسة الكفيلة بفك شفرة / شفرات الظاهرة البشرية.
كلُّ دراسة وكل تحليل لا يأخذ بهذه المعادلة (الحركة البشرية = شهوات البطن و /أو الفرج و / أو المال) يعتبر ناقصا نقصانا فاحشا مخلا بالدراسة والبحث. إنما يبحث الناس عن المال؛ بل يتهافتون عليه ويتقاتلون لتغذية شهوتي البطن والفرج.
صحيح إن هنالك حاجيات أخرى مهمة لكنها ليست في مرتبة المال والبطن والفرج.

   قد يبدو عند بادئ النظر أن المال أو شهوتي البطن والفرج ليست سببا للحركة البشرية وعند التحقيق والتدقيق نجد المال والشهوة أصل الفعل ومصدر الحركة.

    كلامنا هذا ينسحب على جل البشر الأغلبية الساحقة إنما القلة القليلة والنزر اليسير هم من يتخذون الدار الآخرة هدفا فيجعلون البطن والفرج والمال تبعاً للشريعة الإسلامية. فحركة هذا الرهط غير حركة الشرذمة الأولى ونتائجهما متباينة كذلك. وأصل الفساد في العالم من صنع يدي الطائفة الأولى.

   من الذي دعاك إلى قراءة هذا الكلام ( التصور)؟ وما الذي دعاك إلى الجلوس في هذا المكان؟؟
     قد تكون الإجابات متعددة. فإذا أجلت فيها بثاقب النظر ونافذ الفكر وجدت الذي دعاك إلى هذا وذاك مال أو بحث عن شهوة: القراءة من أجل وظيفة أو ترقية أو القراءة من أجل المعرفة لفهم الحياة وأسرارها أو التثقف...ووراء ذلك كما لا يخفى عليك مال. أما إذا كانت قراءتك من أجل الدار الآخرة فأنت من أهل الطائفة الثانية الناجية المستثناة.

 قد تقسم بالله أنك ما قرأت وما جلست لأجل منفعة مادية ولا منفعة أخروية ولا لشهوة أو شهرة...فإذا لم تقصد فإنك تقصد من حيث إنك لا تقصد؛ من خلال الأهداف المضمرة الدفينة ظهرت لك أم لم تظهر.
لنفترض جدلا وجود حركة عبثية غير مقصودة:
  •        إذا نظرنا إليها بمنظار الدار الآخرة ومفاهيمها وجدنا هذه الحركة العبثية ملغاة. فالنية والقصدية شرط أساس لقبول الأعمال.
  •        إذا نظرنا إليها بمنظار الدار الدنيا ومفاهيمها وجدناها آيلة إلى شهوة أو تحت لواء المال.

  وهل تعتقد أن جريان الإنسان وراء وازع المادة والشهوة فطرة جبل الإنسان عليها؟ وماذا ترتب عن اتخاذ المال والشهوة محركاً؟ ثم ما هي الحلول العملية للنجاة من معضلتي المادية والشهوية؟
  العمل لكسب المال وتغذية البطن والزواج أمر مطلوب بالفطرة ولا يختلف فيه اثنان ولا يتناطح فيه عنزان. إن تحصيل المال والشهوة وسيلة لغاية سامية؛ وهذا هو الأصل الأصيل عند العقلاء. أما جعل التحصيل غاية فشر مستطير وسبب للفتن ما ظهر منها وما بطن (مشكلات: اجتماعية – اقتصادية- فكرية – سياسية – علمية...) وإذا تأملت ملياً أسباب الفتن في العالم وجدتها معزاة لاتخاذ القوم المال والشهوة أصلا. فلو أرادوا النجاة لجعلوا المال والشهوة وسيلة للتقرب من الله لا غاية وقصداً.

   إن عرض الحلول من الناحية النظرية عملية سهلة مشوقة وجذابة أما تطبيقها فمعقد وشاق. ويتدخل في عملية التطبيق العامل السياسي والفكري والاجتماعي والتقني والفلسفي والتاريخي والنفسي / الذاتي وهلم جراً. والحري بالملاحظة أن الرغبة الحقيقة في التغيير غير متوافرة؛ عند طوائف كثيرة؛ لا بقوة ولا فعل. أعزُو ذلك إلى أنَّ الإنسان كلما غرق في المادية والشهوة تشكلت له بنيات مادية ومنطلقات شهوانية وتمثلات مضللة فلا يرى بعيني عقله إلا المادةَ والمصلحة والشهوة أو ما يحقق ذلك من قريب أو بعيد.
متى سيملُّ عبّادُ الشهوةِ والمادةِ؟
   آن الأوان...
 أظنُّ أن يوم الملل قريبٌ، إذ إن الوضعَ الراهنَ يبين ذلك خيرَ بيان وفيه كثير من البرهان. فالسعادة لم تتحقق بالمادة والشهوة ولن تتحقق بهما. ظن كثيرونَ أنَّ الغنى سبب للسعادة والحيوية والسكينة فما أُغْنُوا وفاضت عليهم بحار الأموال فأغرقتهم فما ازدادوا إلا تعاسة إلى تعاسة وشقاء إلى شقاء ومللاً إلى ملل.
   إننا مقبلون على انفجار أزمة أخلاقية. حديث الناس عن الأخلاق اليوم لا يدل على وحدة في الرؤية وانسجام في الفهم. فلو طلبت من جماعة أن تعرفك على المقصود بالأخلاق لاختلفت اختلافا فاحشاً؛ يدفعك ذلك إلى استنباط حقيقة واحدة وهي أننا نعيش أزمة أخلاقية حقيقية. ما الذي جعلنا نختلف على أمر ذي بالٍ ونحن تحت سقف سماء واحد وندين بدين واحد...؟ هل نقول كما قيل إن في الاختلاف رحمة؟
لا يا هذا إنَّ الاختلافَ هنَا عذَابٌ. وما ينبغي أن نختلفَ في أمر الأخلاق.
كُلُّ الناسِ يتَحدثونَ عن الأخلاق وعند الامتحان/ التطبيق يختلف الأمر ويتباين. وهذه ثالثة الأثافي. ننادي بأن هذا ممنوع وهذا ممنوع لأنه ينافي الأخلاق ونجد أنفسنا عندما ننطلق للفعل نخالف مخالة فاحشة.
هل أنت فقير؟
أنت فقير إذا قارنت ذاتك ووضعك بغيرك ممن هم أغنى منك. وغني إذا نظرت إلى غيرك ممن هم أفقر منك؛ ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب. جالست طائفة من الناس يدعون الفقر والحاجة ويطمحون للمزيد فعجبت من حالهم لأني أعرفهم أغنياء يملكون السيارة والبيت...
- قلت: أنتم لستم فقراء.
- قالوا: بل نحن فقراء.
- قلت: إنكم تمتلكون كذا وكذا...
- قالوا: رغم ذلك فإن ما ينقصنا كثير...انظر إلى غيرنا فإنهم يمتلكون كذا وكذا وكذا؛ ومثلوا بأمثلة متعددة...
- قلت: لو حضر معنا أغنى الأغنياء لقال ما قلتم وادعى ما ادعيتم. إننا نتوهم أن الغنى يجلب السعادة والرفاه ويطفئ ظمأ الطموح والتمني وليس ذلك كذلك إذا لم ترزقوا القناعة والعفة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق