Translate

الجمعة، 1 يونيو 2012

+ العقل الصغير


بقلم حنافي جواد

العقل الصغير والعقل الكبير


       العقل الصغير هو عقلك الذي في رأسكَ ويشترك معه القلب وغيره من أعضاء الجسد في عمليات بناء المعرفة وإنتاجها واكتشافها والاستفادة منها.
والنسق المسهمُ في تلك العملياتِ خاضعٌ لقانون التداعي والترابط والتأثير، وهو تداعٍ داخليٌ بين أعضاء الجسد وجوارحه، وتداعٍ خارجيٌ سنعرفه في عنصر العقل الكبير.

       العقل الصغيرُ بمثابة جهاز إرسالٍ واستقبالٍ؛ يسلطُ القوى على المادة والمعنى ويستقبل استجابات فتتحول إلى برامج وعناصر مسهمة بحظها الوافرِ في الفهم والإنتاج والاكتشاف؛ تعيد تكييفَ العقلِ الصغيرِ مع معطيات العقل الكبير؛ هي آليات جديدة تجعل العقلَ الصغيرَ قادراً على إدراك عناصرَ جديدةٍ من العقل الكبير.

      وهذا بعض مما يفسر لنا قول الناس: المعارف تبنى ولا تعطى، ومما يؤكد كذلك ما أميل إليه من الفرقِ ما بين المعلومات والمعارف: فالمعارف معلومات احتكت بالذات العارفة فاندمجت في النسق المعرفي الذاتي، أمَّا المعلومات فعناصرُ وأجزاءٌ لم تخضع لعمليات الإدماج والاحتكاك لتأخذَ بصمةَ الذات العارفة وتصنَّف ضمن البنية التحتية المعرفية المستدخلة قبلاً.
العقل الكبير هو المصدر الثاني للمعرفة؛ بعد الشريعة، التي أطْلعتِ العقل الصغير على ما لم يستطعه ولن يستطيع بلوغه بمفرده.

    العقل الكبيرُ هو الواقعُ الماديُّ والاجتماعي والاقتصادي والنفسي والفكري والتربوي...قل بكلمة موجزَة موجزِة هو الحياة التي نحيا فيها. ويستحيل للعقلِ الصغير أن يفكر خارج إطار الحياة ووقائعها المادية والمعنوية. وقد يستطيع (التفكير) خارج الحياة لكن قياساً على وجود للحياة سابقٍ في ذهنه ومخيلته، وفي ذلك إخراجٌ للعقل الصغير عن إطاره وتكليفه ما لا طاقة له به؛ فالعقل الصغير (صادقٌ) في أحكامه لكن لا تطمع أن تزنَ به الجبالَ كأمورِ التوحيدِ والغيبِ، وما لا يدركهُ العقلُ إلا على سبيلِ التصورِ.

     قانونُ الجاذبيةِ كانَ موجوداً قبلَ أنْ يوجد نيوتن؛ كان موجوداً بالفعل. فماذا فعل نيوتن؟ إنه كشف عن موجود كان ثابت الوجود في الواقع بالفعل، وقس على ذلك ما لم يذكر من مختلف الاكتشافات. أما لماذا كان نيوتن هو المكتشف لا غيره فسؤال آخر؟ ستستنتج جوابه من العرض.

     تدعي المدرسة المثالية أن الحقائق والنظريات مكمنها العقل، وتذهب المدرسة المادية إلى أنها موجودة في الواقع، أما المدرسة التوفيقية فترى أن العقل غير قادر بمفرده على اكتشاف الحقائق في غياب الواقع التجريبي، فكلاهما ضروري في عمليات الإنتاج والكشف؛ فالعقل في نظر هذا الفريق مؤهلٌ بالقوةِ للتعاملِ مع العقلِ الكبيرِ فهماً وتحليلاً وتفسيراً واستنباطاً.
     ثم اعلم أن القلةَ القليلةَ من الناس هي المؤهلةُ بالفعل للفهم والتحليل والتفسير والكشف... لماذا؟؟ لأنهم يمتلكون برامج ومبادئ ولغة خاصة أهلتهم لذلك الفعل بالفعل، أما تعامل الأغلبية مع الواقع فتعامل سطحي؛ وإن كانوا جميعا ينهلون من العقل الأكبر.

    في استطاعتنا جميعا أن نكشف؛ من خلال العقل الكبير وعبر آليات العقل الصغير عن نظريات علمية وأدبية وفنية وجمالية وتربوية واجتماعية واقتصادية...إذا أدركنا سرَّ اللعبة وزالت الغشاوة عن عيوننا وبصائرنا.
   يتوقف الأمر كذلكَ على بنية تحتية معرفةٍ خاصة بالمجال المراد البحث فيه ثم الاطلاع على تجارب السابقين ومبادراتهم في الميدان ليلا يتيه المرءُ في مسائل انتُهي منها أو قتلت بحثاً.

    إنني لن أستطيع قراءة كتاب باللغة العربية إذا لم أتعلمها، ولا حل معادلة رياضية إذا لم أتعلم القواعد المتعلقة بها...كذلك لن يستطيع العقل الصغير التعامل مع العقل الكبير إذا لم يدرك بالتعلم لغته وقواعده.

    كلما عرف العقل الصغير عن العقل الكبير الكثير نما العقل الصغير وازداد فهمه للكبير. وأقصد بنمو العقل الصغير استقباله / استدخاله برامج جديدة تكيفه مع الوضع الجديد، وهو ما أطلقنا عليه التداعي الخارجي.

     ولا يمكن  أن نتحدث عن العقل الصغير في غياب العقل الكبير؛ كما لا يمكنُ  أن نتحدث عن العقل خارج البيئة والمحيط؛ فوجود العقل آنئذ وجود مجازيٌ لا حقيقيٌ. فالعمليات العرفية بنائية واستمرارية وتأسيسية واندماجية تخادمية، فضعف أو هشاشة البنيات التحتية المعرفية السابقة غير مؤهل للفهم والإدراك، وفقدُ حلقةٍ من الحلقات الضرورية؛ لا التكميلية؛ يحدث خللاً في عمليات بناء المعرفة، ويتضح ذلك جليا في المواد ذات الطابع البنائي كالرياضيات والفيزياء والنحو والصرف...
       


عقل صغير

 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق