التدريس الفعال
حنافي جواد
التدريسُ الفعالُ أنشودةُ كلِّ
من له غيْرة على التربية والتعليمِ؛ من أطر تربوية وأحزاب ومجتمع مدني وحكوماتٍ
وجمعيةِ آباء وأولياء التلاميذ، وتلاميذَ، وأساتذةٍ وهلم جرا.
مطمح هؤلاء جميعاً الظفر بنمطٍ
تربويٍّ تعليميٍّ- تعلميِّ فعال قادر على بناء تلميذٍ مواطنٍ صالحٍ ومصلحٍ، متكيفٍ
ومنسجمٍ وواقعَه ومحيطَه ومؤثرٍ فيه بالأثر الحسنِ.
أو بعبارة صريحة - ونحن من محبي الصراحة- بناءُ تلميذٍ يكونُ حلقةً من
سلسلة التغيير نحوَ النموذجِ الغربي المتقدم (في نظرهم ووفقا لمعاييرهم). فهذا هو
الهدف الرئيسُ سواء أأضمر أم صرح به.
دفعنا هذا دفعاً إلى استيرادِ
المناهجِ والطرائقِ التدريسيةِ من الضفةِ الأخرى- المتقدمة. فَقَبْلاً كانت
الأهداف والآنَ نحنُ مع منهج جديدٍ: الكفايات وغداً التدريسُ بالملاءمةِ. فليسَ
العيبُ في استيرادها، وإنما العيب في تنزيلِها وإدْرَاجِهَا في سياقاتٍ مختلفةٍ
متباينةٍ مع الموْطنِ الأمِّ الذي ترعرعتْ فيه.
فطريقة الكفايات ومنهجها يقتضي قاعاتٍ من نوع خاصٍّ، وآلات وأجهزةً متطورةً
في مجالِ الإعلامياتِ، وتغييرَ هيئةِ الصفِّ، وتقليصَ عدد المتمدرسين في الفصل،
وتجديد عقليةِ الأستاذِ، وإعادة هيكلة الإدارة...والمهمُّ هنا هو التلميذ.
فالتلميذ الذي خلق له منهج
الكفايات ليسَ هو التلميذ المغربي صاحب خصائص تَختلفُ كليّاً عن تلميذ الكفايات،
فإذا كانتْ الكفاياتُ تدعو إلى مراعاةِ الفروقِ الفرديةِ، فالأولى بنا أن نراعي
الفروق الاجتماعية والسياسيةَ والاقتصاديةَ والثقافيةَ والأسريةَ والبيئيةَ...فلا
ننـزل فكرا على آخر مباين له كل المُبَايَنَة.
وقد يباغتنا سؤال حرجٌ نصُّه:
- ما الجديد الذي جاءت به الكفايات؟
قد يقول قال: جاءت باستراتيجيات
جديدة لإحلال التلميذ موقعه المناسب، وتفعيل المنظومة التربوية التعليمية التعلمية
لاسْتِدْمَاجِ التلميذ/ الطفلِ في محيطِهِ من أجل خدمة الجودةِ وإنتاجِ كفاياتٍ
متعددةٍ لغويةٍ وفكريةٍ ومنهجيةٍ واستراتيجيةٍ وتقنيةٍ وتواصليةٍ وروحيةٍ وحركيةٍ
ووجدانيةٍ وتقليديةٍ وتحويليةٍ وإبداعيةٍ...وفي الأخير صنع مواطنٍ صالحٍ ومصلحٍ فاعلٍ
يؤمنُ بقيم العدالة الديموقراطية...!!
وقد يقول قائل: إن الكفاياتِ تُكَوِّنَ سلوكا مركباً يتوقفُ تكوينُه على
مستوى عالٍ من المهارة والنجاعة في التدريس؛ ولذلك فإن المُكون إزاءَ هذا النمط من
التربية يكون في أمسِّ الحاجةِ إلى الإلمامِ بمختلف عناصر بنية الفعل التعليمي
التعلمي، وعلى المستوى السيكولوجي والبيداغوجي والديداكتيكي... حتى يتمكن بذلك من
توفيرِ الشروطِ الضروريةِ التي تتطلبها عملية تكوين الكفايات عند المتعلمين
بالمؤسسات التعليمية...". (عبد الكريم غريب: استراتيجيات الكفايات وأساليب
تقويم جودة تكوينها ص: 7)
أقول إننا في حاجة إلى أجوبة
إجرائية دقيقة بعيدةٍ عن سلوكِ الجمع وحشدِ للمصطلحات والكلماتِ العامةِ لتركيب
كلام يحسبه الجاهل نصاً تربوياً. اقرأ هذا وتأمله لتجدنَّهُ ركاماً من الكلماتِ
والمفاهيمِ الشائعةِ وغير الشائعة. بل خذْ سطراً من هنا وسطراً من هناك، وكلمة من
هنا وكلمة من هناك، وفقرة من هنا وفقرة من هناك تحصل على نص تربوي في اصطلاحهم،
وما أبعدهُ عن النص، بله التربية.
وهذا للأسف المرير أسلوبُ معظم الكتب المجموعةِ في هذا الصدد. حرص مؤلفوها
على تأليف الكلمات والمصطلحات (العلمية)، وضم بعضها إلى بعض دون تركيز على المعاني
والمدلولاتِ؛ ونحنُ لا ندعي أنها خِلْوٌ من المعاني؛ وإن كانت في بعض الأحيان
كذلك، بل بها معانٍ عامةٌ شاملةٌ غير إجرائيةٍ!
وليست هذه الملاحظة خاصة بعلوم التربية والتعليم؛ بل كذلك مسجلة بدرجاتٍ
متفاوتةٍ في حقول أخرى غيرها.
ولستُ؛ كذلك؛ الوحيد الذي التفت إلى هذا الأمر، بل يشاركني فيه الكثيرون.
اقرأ مثلاً الفصول الأولى من كتاب المرايا المقعرة لعبد العزيز حمودة فقد ناقش
المظاهر والأسباب ...ثم تساءل وائل أبو هندي في كتابه الوسواس القهري – من منظور
عربي إسلامي؛ حيث قال:" لماذا لا يتكلم الأطباء النفسيون في بلادنا بلغة
يفهمها الناس؟.... ودعا كارل بوبر إلى ضرورة تحري الوضوحِ في التأليفِ والكتابةِ...
نخلص من هذا إلى أننا في حاجة
إلى كتابات واضحة إجرائية بعيدةٍ عن العمومية. كتابات تنطلق إلى الهدف رأساً،
مستثمرة ما كتب الله أن يتوافر من مؤهلات ووسائلَ. وليس التغني بغير المتوافر إلا
حُمقاً وجهالةً.
إنك عندما تعود إلى ما كتبَ في
التدريس الفعال سواء يوم كانت الأهداف هي الهدف أو اليوم حيثُ التغنِّي بالكفايات
والمجزوءات والتدريس بالملاءمة...تجد أنكَ أمامَ شيءٍ واحدٍ؛ الكلام نفسه قيل هناك
ويقال اليوم هنا، بالنص والحرف في أحيان وبالتصرف والإضافة في أحيان أُخَرَ.
- ولست في حاجة إلى تسويد الصفحات بالنماذج لنجعلك في الصورة، فليرجع
إليها.
بل العجيب من الأمر أنه كان يقالُ قبل ذلك؛ أي قبل الأهداف، فاقرأ واطلع تلْفِ
النغمةَ نفسها تتكرَّرُ على ألسنِ المغنين في ميدان التربية والتعليم. ونصوصٌ مذْ
ذلك الزمن يستشهد بها إلى اليوم. شعارهم جميعا:" التدريس الفعال"- وإن
كان يتردَّدُ بأساليب شتى.
جاءتنا الكفايات بمفاهيم من قبيلِ:كفايات
التقليد وكفايات التحويل وكفايات التجديد وكفايات الإبداع والكفايات الممتدة
والكفايات المستعرضة والكفايات المنهجية والتواصلية الموسيقية واللغوية المكانية والاجتماعية
والفروق الفردية أو البيداغوجية الفارقية وكفايات
حل المشاكل والتدريس بالوحدات والجودة والطريقة الحوارية...
فهذه المصطلحات إذا تأملتها وأجلتَ النظر فيها أدركت أن لها أهمية كبيرة في
التربية والتعليم؛ ولا شك. وتداوُلها في زمن الأهداف لا ننفيه، فقد كان لها وجود
قبل ذلك. لكن ما الجديد؟ الجديد هو إعادتها بلغة جديدة وأساليبَ حديثة وجعلها
مواضيعَ للتأليف.
أما عن طريقة استثمارها وكيفية
تفعيلها فلن تجد ما يشفي العليل وما يروي الغليل، وإنْ كانتْ بعضُ الكتبِ في هذا
تأخذُ عناوينَ إجرائيةً، لكن بعد دراستك لها يَخيبُ ظنكَ، فلا تعثرُ بها على جديد
يذكرُ ولا فائدة تفادُ، ما خلاَ تلكمُ النغمةَ المتداولةَ، وإضافةُ كلمة الكفايات
إلى كلمات أخرى (كفاية اللغة الفرنسية كفاية الرياضيات...)
قد يظن الظانُّ أن الكفايات قد أحدثتْ قطيعة مع الأهداف- التي وصفها الدريج
بالتصور السلوكي المتخشب في كتابه الكفايات في التعليم- لكن الأمر غير ذلك، فلا غُنْيَةَ لهم عن
الأهداف، لكن هذه المرة كان التركيزُ على الأهدافِ الإجرائيةِ الجزئيةِ باعتبارها
السبيل القويمَ والطريق الصحيح إلى بناء الكفاياتِ؛ كما ركزوا على الأهداف المصاغة
في شكل مشاكلَ...
ثم يجد الكاتب ضالَّتَهُ ليناقشَ
الأهدافَ ويبين أنواعَها وما قيل فيها ويفرق بينها وبين المرامِي والغاياتِ أو
المواصفاتِ، ويجلي الخيط الرابط بينها والكفاياتِ؛ فيبرهن على الانسجام والتخادم...
ثم يذهبون إلى اعتبار الكفايات
منهجاً واستراتيجية لتكييفِ الفرد مع محيطه. أما الأهدافُ فلستُ أدري هل كانتْ
قادرةً على ذلك أم لا؟ لكن لمْ أسجلْ أيَّ نفرة بين خريجي الأهداف والمحيط الذي
يعيشونه.
ولكن لن نتسرع فربما تكون الكفايات قادرة على ذلك بامتياز أعظمَ. فقد ركزت على
التواصليات والمنهجيات واللغويات والموسيقيات والاجتماعيات... فهذه أسماء جديدة لم
نكن نسمع عنها من قبل...!
-
لا بل كنا نسمع
بها.
-
لكن بصيغ أخرى.
-
وربما الآن
ركزت الكفايات على هذه المفاهيمِ أكثرَ، وهي مؤهلة للأفراد/ الأطفال لحل المشاكل،
وبناءِ المعارفِ. خصوصا وأنها راعتِ الفروقِ الفرديةَ / الاجتماعيةَ الاقتصاديةَ
بين التلاميذ! أما عن كيفية ذلك فلا تسأل!
-
وهكذا دواليك.
أزيدك أمرا
هو أن تعريفَ الكفاياتِ غامض كل الغموض، واختلف فيه كل الاختلاف. فلا تكاد تعثر
على بخيط رابط بينها؛ إلا أن يتعسف الكاتب فيأخذ شيئا من هنا وشيئا من هناك فيلفق
تعريفاً- وما هو بتعريف.
زد الخلطَ بين المادة (ك. ف. ى) والمادة (ك. ي.ف) وبينهما البون الشاسعُ. فليس
كفى هي كيَّف. ولا كلُّ كفاية مؤهلةٌ إلى التكيُّف، ولا كل تكيُّف مؤهلٌ إلى كفايةٍ.
وتعليمنا ليستْ تنقصه الكفاية فهي متوافرة فيه وبزيادة...
ولا يغيبن عنك أنه إذا كان غبش
في التعريف فالسلوكُ لن ينضبط والتصورُ لن يستقيمَ، وسَيَسُودُ خلطٌ في المفاهيم وتداخلٌ.
وهو ما يلاحظونه هم أنفسهم. فيَدْعُوهُم ذلك إلى تمييز الكفايات عن الأهداف،
والكفايات ومفاهيم أخرى مثل القدراتِ والمهارات والإنجازات والأفعال والتصرفات ...
وهذا حالُ النظريةِ والتَّصور الذي لم يُبْنَ على أسس واضحةٍ قويةٍ.
يقول أحدهم في تعريف الكفايات:
الكفاية استعدادٌ معروفٌ قانونياً لسلطة اجتماعية تقومُ بموجبهِ بهذا الفعلِ أو
ذاكَ ضمنَ شروطٍ معينةٍ، وبهذا المعنى يمكن القول كفاية المدرس، وكفاية القاضي،
وكفاية الشرطي، وكفاية الدركي...".
إنه ركام من العبارات لا جامعٌ
بينها ولا رابطٌ؛ أفٍّ لمن يكتب لقال كاتب!!!
ويقول آخر: الكفاية هي نِتَاجُ
إدْماجِ مجموعةٍ من المعارفِ والأفعالِ قصدَ حلِّ مشكلةٍ يواجهها الفردُ...ومفهومُ
الكفايةِ لا يرتبط فقط بالمعارفِ التي يدمِجها الفردُ في نظامهِ المعرفي؛ بل يرتبط
أيضاً بالأفعال والحركاتِ أو المواقفِ التي يتخذُها أو يعبِّر عنها أثناء تفاعله
مع الآخرين، وأثناء مواجهته لمختلف الوضعيات أو المشكلات التي تعترضه".
-
فماذا فهمت من
خلال هذا الكلام؟
-
وما الجديد
الذي يحمله؟؟؟؟
-
إذا فهمت منه
شيئا فإني لم أفهم لأني غبيٌّ!!
فليس المشكل مشكلَ إنتاجِ المعارفِ ولا مشكلَ إدماجٍ. فبتوافُرِ الأستاذ
الكفءِ والتلميذِ الراغبِ والإدارةِ المؤدِّيةِ عملها على أحسنِ ما يرامُ، المسْتَشْعِرَةِ
لمخافة الله، والمدركةِ لعبءِ الرسالة الملقاة على عاتقها. وبتوافر الأهدافِ
الواضحة من التعليم؛ أي ماذا بعد التعليم؟ وماذا بعد المدرسة، وما هي الآفاق؟...
وهذه الأهداف هي مربط الفرس، هي المسألةُ الجوهريةُ التي يأبى بعضنَا إلا تَجاهلَها،
ملقٍ باللائمةِ على هذا وذاك...
بتوافر هذه المذكورات ستكون المدرسة والتعليم في الطريق الصحيح.
بدءً بآخرها وهي الأهداف: لن أقسمها أعزائي القراء إلى خاصة وعامة،
وإجرائية ومعيارية، وما إلى ذلك. فذا ليسَ دَأْبِي، إذ ليس غرضِي ملءَ الصفحاتِ ولا
المتاجَرَةَ في الأوراقِ!!
كثيرا ما سمعنا تساؤلات من أفواهِ تلامذةٍ وآباءٍ عنْ جدوى تعليم أبنائهم.
يتساءلون وبجديَّة، وعلى مُحَيَّاهم دلائلُ غضبٍ واضحةً.
إن المعادلةَ المرسومةَ في أذهانِ هؤلاء الآباء- ومَرَّرُوهَا إلى أبنائهم –
والراسخة في قلوبهم هي: أن التعليم- يجب أن - يساوي العملَ أو الوظيفةَ. هذا ما تعلموهُ من تجارب الماضي.
كان الأبُ يرْسلُ ابنه إلى المدرسةِ
وفي نيَّتِه أن يصيرَ موظفاً، والأسرةُ تَلْتَمُّ حولَه وتقولُ لهُ وهيَ تُلاعِبُهُ:
أنتَ مديرٌ غداً أو قاضٍ... إن شاء لله. ولما
أمسى التعليم والتمدرسُ لا يفضي بالضرورة إلى عمل(وظيفة) خابَ ظنُّ الآباءِ وتسربتْ
هذهِ الخَيْبَةُ إلى أبنائهم، خصوصاً وأن بين ظُهرانيهم إخوة رجعوا من الجامعاتِ أو المعاهدِ ...بِخُفَّيْ حُنَيْن.
فانتشر هذا النبأ- انتشار النار في الهشيم- بين التلاميذ. وغدا المقبل إلى
المدرسة منهم، حاملاً هذا التصور محبطاً متردداً يقدِّمُ رجلاً ويؤخِّر أخرى، وبين
الفينة والأخرى يخامره ويراوده هذا التصور؛ مراودة امرأة العزيز يوسف. فإن يوسف أبَى
وامتنع فهذا خَنعَ وخضعَ، إلا منْ شذَّ مِنْهُمْ ممن توافر له أبوان ذكيانِ
ومدربان كُفْآنِ حصناه من التصور الذائع المنتشرِ.
تجد التلميذ المحمَّل بهذا التصور في الفصلِ الدراسيِّ متهاوناً وفي بعض
الأحيان متهوراً، كأنه جالسٌ على كرسيٍّ كهربائي، لا يحرص على أداء واجباته، ولا
يهتم بدروسِهِ، كثيرُ الصِّدام مع مربيهِ ومعلميهِ، مِكْثَارٌ من الغيابِ، وكثيرُ
التَّأخُّرِ، تائِهٌ في الفصل، متشوقٌ إلى الخمولِ والرَّاحةِ، منتظر العطلة بفارغ
الصبر... ومن كان يمارسُ التعليمَ أو كان تلميذاً من ذلك النوع فهِمَ قولي الفهم
كلّه.
فكيف بهذا الذي لا هدف له من وراء
طلب الدرس والتعلم أن يجتهد ويحصِّل ويُـبْدِعَ ويتعاملَ مع المشكلاتِ والوضعياتِ ليجدَ
حلَّها، وفِي ذهنه مشكلة؛ بل مشاكل؛ لم يجدْ حلها؟
هذا فضلا عما يشاهدُه في القنوات الإعلامية من تقدم المتقدمين وازدهار
المزدهرين(كما تبديه الوسائل بطبيعة الحال) مما يزيده تأخراً إلى آخر. ويضيف له
إحباطاً إلى إحباطٍ. فتغدو لبانته الالتحاق بالضفة الأخرى؛ ضفة النجاة في مخيلته!
التلفزة والقنوات الفضائيةُ بصفةٍ
خاصةٍ، أضف إليها المقاهي الإلكترونية، وأجهزة تشغيل الأقراصِ المرئية والمسموعةِ؛
تشكل خطراً على المدرسة. ويكون الخطر كبيراً عند انعدام الرَّقابة من أب أو أم أو أخ
حازم يمنعُ الأطفال من الانسياق في تيار الصورة. فيُهْمِل التلميذ/ الطالب ويتيه
في عالم لا يَنْقَطِعُ مثيرٌ مشوقٌ به ما يكفِي من التَّرْفيه. يسلب من الطفل لبَّه
وينسيه واجباتِه، إنْ لم أقلْ أهدافَه.
وقد يكون بعض الأطفال قادرين على ضبطِ أوقاتِهم وإنجازاتهم وواجباتهم على
أحسن ما يطلبُ لتلقيهم تربيةً سديدةً غلبَ سحرُها سِحْرَ وسائلِ الإعلامِ التي
وصفتُ لك قبلُ، لكنهم للأسفِ نزرٌ يسيرٌ وعددٌ قليلٌ...
وفي هذا السياقِ أيضا، قدْ يقتني الأب / الأم جهازَ الحاسوبِ ليفيدَ منه
طفلُهُ، لكن للأسفِ لا يحصلُ المقصودُ،
فيحصلُ ضدُّهُ فينصرف الطفل / الطالب إليه انصرافاً تاركاً دروسَهُ وواجباتهِ!
فعجبا لهؤلاء كيفَ يربطون بين الحاسوب والتفوقِ الدراسيِّ، وكأني بهم
يتخيلون أن طفلهم يتلقى دروساً في الفَصْلِ عن هذه الآلة. التي لا تعطينا إلا
بالقدرِ الذِي نعْطِيهَا. فغالباً ما تستعملُ في قراءةِ أقراصٍ ومسلسلات أو أغانٍ
أو مضحكاتٍ أو لعبٍ وتسليةٍ... وليس هذا هدفَها الذي صنعت له بالأساسِ!
وهذا كذلك يَجرفُ التلميذَ إلى سباقِ الترفيهِ والتسليةِ. وهو ضحية أب
منقادٍ مع موضَة "إدخالِ الحاسبِ الآلي للبيتِ"، من أجلِ غدٍ تعليمِيٍّ
تربوي جيدٍ؛ هكذا يرى ويزعمُ - فالحاسوب لا يعطيك إلا بقدر ما تعطيه.
أحبُّ أن أنبهَ كذلك إلى خطورةٍ شائعةٍ استشْرتْ بينَ كثيرٍ ممنْ يدَّعُونَ
الفهمَ، وفي أوساطِ غيرهم. وهي أن في القرصِ المضغوطِ غنيةً عن الكتبِ، لأن القرصَ
الواحدَ يتضمَّن كذا وكذا من الكتبِ والمؤلفاتِ والمصنفاتِ، فاقترح بعضهم إخراج
المكتبة للبيع...
وهو تصورٌ خاطئٌ وطريقٌ غير صحيحٍ. إذ كيف ستقرأ كتاباً من ثلاثمائة صفحة
أو ينقص أو يزيد من شاشةِ الحاسبِ، خصوصاً إذا كنتَ تودُّ دراسةِ الكتابِ؟؟ نعم
يمكنك لكن أنْصَحُك أن تزور الطبيب بعد ذلك مباشرةً، لتقتَنِي نظاراتٍ، وإنْ كانتْ
لكَ فلتبْحَثْ عن أدَقَّ مِنها.
-
صحيح يمكنك
الإفادةُ من الكتاب إذا أخرجته مصوراً من الآلة، لكن هذا مكلفٌ من الناحيةِ
الاقتصاديةِ. واعلم أنك ستكون في حاجة إلى مكتبةٍ تجمعُ أوراقكَ لكثْرَةِ ما
سَتَسْتَخْرِجُهُ...وهكذا ينطبق عليك المثل: وعادَتْ حليمةُ إلى عادَتها القديمة.
فررت من الأوراق فعدت لها...
-
صحيح الآلة
مفيدةٌ إذا كان هدَفُكَ معلومةٌ سريعةٌ.
والخطيرة في
الأمر أن يتسربَ هذا إلى أذهانِ الأطفالِ فيضربُوا بالكتب والمقرات عُرضَ الحائطِ منصرفين
إلى الأقراص...وإنْ لم يكن هذا قد وقع.
كبريات
معيقات التحصيل الدراسي
1-
ضعف سلطة
الوالدين:
ونقصد بذلك أن الأسرةَ تفقدُ زمامَ
التحكمِ في توجيه الأبناءِ والسيطرةِ عليهم، فيقتصر وجودُها على الوجودِ الماديِّ؛
كتوفيرِ الأكلِ والشراب والملبس والمسكن... وما إلى ذلك من الحاجيات أو
الكماليات...
فيغدو وجود الأسرة وجوداً شكلياً. فتتدخل هناك عوامل متحينة فرص الغياب،
توجه وترشد بصورةٍ مباشرة وغير مباشرةٍ، وغالبا ما تكون غير واع بها. تقود الأطفالَ
وفقا لتصورات وأهداف مسطرة سلفا، أو غير مدروسة تتمثل في التوجُّه العام والتيار
الجارفِ أو الموضةِ السائدةِ أو العادة القائمةِ.
تبعاً ذلك كله إلى فلسفةَ زمرةٍ من
الناس لها حظوة وشأن في الأعين. وهذا يجعل سلطةَ الأسرةِ رمزيةً فقط؛ تدخلاتها غير
مؤثرة وملاحظاتها غير معتبرة.
-
أما عن أسباب
هذا الضعف فآيل إلى جملة من الأمور:
* أولها: خصوصيات الجيل. فهو مختلف عن سابقه اختلافاً بينا. فقد تدفقت عليه
المعلومات والمعارفُ والحقائقُ والأسرارُ من كل حذبٍ وصوبٍ. أما تعامله مع الآلات
الحديثة المتطورة فقد أكسبه دقةً وذكاء، يفوق في بعض الأحيان ما لأبيه وأمه.
* ثانيها: وسائل الإعلام والاتصال: فقد فتحت الطفل أمام عوالم أخرى، وزوَّدته
بما لم يكنْ في علم والديه. وأجابته عن أسئلته جواباً شافياً ورفهته أي ترفيهٍ،
وأطلعتهُ على حقائقَ يجهلهَا... فحلتْ محلَّ الأبِ والأمِّ بأعجوبةٍ يصعبُ إدراكُ
طريقتها وكيفيتها...
* ثالثها: الجهل بخصوصيات أطفال هذا الجيل: فالتعامل مع الطفل الحديث
بالطريقة القديمة التي حفظت من طريق الآباء لا تجدي نفعا. خذْ مثلاً مسألة الخجل:
فغالبية أبناء هذا الجيل لا يخجلونَ إلا من شذ منهم. لماذا؟
إنهم لا يخجلون، لأنهم في وسط كبيرٍ
(منسجمِ العناصرِ) متداخل الأطراف. فالمساكن متقاربة وأسبابُ الاختلاطِ بالغيرِ
كثيرةٌ؛ في الشارع، في المدرسة، في الحمامِ ... كما أن وسائل الإعلام خصوصاً
المرئيةَ منها أزالت الحجابَ... زدْ علَى ذلكَ أنَّ ثقافةَ المجتمعِ لا ترومُ إلى
سلوكِ الخجلِ، ولا تحبِّذُه (ولا يحسن هنا الخلط بين الخجل باعتباره مرضاً نفسيا والحياء
الذي هو سلوكٌ مطلوبٌ عقلاً وشرعاً)
* رابعها: النموذج والمثال: لم يبق الأب/ الأم النموذجَ (المطلق) في تصور
الطفل. فهو الآن أمام نماذج كثر فاقواْ الأبَ والأمَّ وتجاوزوهما، فغدت صورتهما
صغيرة في ذهنه مقارنة مع النماذج التي تعرَّف عليها من الشاشة، أو من خلال ما
يطالع أو يقرأ أو يسمع في المحيط. أما في الماضي فكنا نرى في آبائنا العباقرة والفهامين والفناينن والأذكياء...فكل ما يتبادر
إلى ذهننا نسأل عنه آباءنا ونعتقد جازمين أنهم أهلٌ للإجابة عنه، فكانوا يمثلون
المصدر الأول الرئيس للثقافة.
*خامسها: التهاون والتواني:هذا من العناصر التي لا يجمل بنا إغفاله فهو
عنصر رئيس. فلو كان الآباء متلحين بما يكفي من العزيمة والإرادةِ والعلمِ والمعرفةِ
بخصوصياتِ الجيلِ وبطابعهِ، والآليات التي أضحت متحكمةً فيه. غير مندهشين لهذه
التغيراتِ التي يشهدها العالم اليوم، ولا منْبَهِرِين بالرائجات والشائعات من
الأفكار. فأنى لأب/ أم لم يسطر أهداف التربية قبلا أن يتمكن من توجيهِ أبنائه
التوجيهَ الصحيحَ. لكن للأسف منطق التهوِّر وترك الحبل على الغاربِ هو السائدُ
المنتشر. وحين تقع الواقعة يقولون هذا ما كتب الله وما شاء الله فعل.
*سادسها: عوامل أخرى.
ومن صور ومظاهر ضعف سلطة الوالدين
أن الطفل يقول ما شاء، أتوافق مع المرغوب فيه أم لا، ويتصرف كما شاء، ويدخل البيت
متى شاء، ويلعب مع من شاء، ويفرضُ على والديه النمط الذي يحبهُ، ويُهْمِلُ واجباته
المدرسية غير آبه بنصحِ ناصحٍ و توجيهِ موجهٍ...
ومن نتائج ذلك:
الانحراف: وله مظاهر كثيرة/ منها مثلا:
مغادرة المدرسة - التعاطي للتدخين والمخدرات – شرب الكحول- الزمالة بين
الذكور والإناث- المبيت خارج البيت مع الرفقاء...
2-
هشاشة البنية
التحتية المعرفية:
يجدر بنا أن نسجل ملاحظة رئيسة
وهي تداخل المؤثرات والعوامل، فبعضها نتاج بعض، فما هشاشة البنية التحتية إلا من
مخلفات ضعف سلطة الوالدين. فهي إذن نتيجة وسبب.
نتيجةٌ لأنَّ ضعفَ الأسرةِ هو
السببُ، فلو كانت الأسرة في مسارها الصحيح لما كانت ثمةَ معاناةٌ من هشاشةِ البنيةِ
التحتيةِ المعرفيةِ. وكذلك ضعفُ الأسرةِ مبناهُ وسببهُ هشاشَة تكوينِ الأب والأم.
ثم هناك عوامل أخرى ...
فماذا نقصدُ يا ترى بهشاشة البنية التحتية المعرفية؟
بكل يسر هي تلك المعارف
والمعلومات والأبجديات الأولية التي تتأسس عليها المعارف والأفكار، فهي أسس عملية
يرتكز عليها تعلم الطفل التلميذ، فقد تكون لغة أو قواعد صرفاً أو نحواً أو مبادئ
أدبية أو رياضية. فلما كانت ضعيفة لم يستطع الطفل / التلميذ المواكبة، فيوصف تباعا
لذلك بالكسل...
تُكَبُّ إلى المدرسة سنويا أفواجٌ
من الأطفال أتواْ من رياض الأطفال، وتَكُبُّ المدرسة في الثانوية الإعدادية وهذه
في الثانوية التأهيلية، وهذه في الجامعة والمعاهد، وهذه في الوظائف أو الشارع. أي
بكلمة أخرى في المجتمع.
فالأصل أن يكون هؤلاء جميعاً قد
استفادوا من المراحل السابقة لتكون بإمكانهم المتابعةُ في المراحل اللاحقة، أو
يكونوا قد تشرَّبوا من المعارف والمعلومات والأفكار والسلوكات والإحساساتِ التي
قدمت لهمْ من خلال المقررات... مراحل التعليم متسلسلة ينبني بعضها على بعض. لكن
للأسف لا تعُمُّ الاستفادة، فالقلة القليلة هي المواكبة حقاً وصدقاً، نسبتهمْ
ضئيلةٌ جدا، أما البقية فيصنفون صنفين:
-
الصنف الأول:
تجاوزَ عددَ السنواتِ القانونيةِ للرسوب ثم يقذف به إلى الشارع.
-
الصنف الثاني
متعثرٌ في مسيرته الدراسيةِ، قد يستفيد من إملاءات الخريطة المدرسية التي تحددُ
العتبة في معدل ناقص- من حصل عليه يقفز إلى
المرحلة الأخرى. وهذه هي الأغلبية. كما قد يستفيد من الاعتبارات التي تُراعى
من طرف المشرفين/ الأساتذة على الاختبارات إذ يأخذون بالبال المستوى الدراسي
الهزيل.
هناك بعض
المواد الدراسية التي يسجلُ بها الهزال العظيم في بلادنا. وأخص بالذكر هنا المواد
العلمية كالرياضيات والفيزياء ثم اللغات كاللغة
الفرنسية التي تكون حجر عثرة في مسار التلميذ الدراسي وجلمذا كبيرا، إن حالفه الحظ
ليلتحق بالكلية العلمية أو التقنية، ولا يخفاك أن تدريس المواد العلمية في الأقسام
الدراسية كلها بالعربية ما خلا الدراسات الجامعية فإنها بالأجنبية!
زدْ على ذلك الهزال الحاصل في
مادة قواعد اللغة العربية من نحو وصرف... إنها كارثة عظمى. أسهل القواعد مجهولة،
ولست أقصد فقط صفوف التلاميذ والطلبة بل حتى أغلب الأساتذة في مختلف الأسلاك، بما
في ذلك أساتذة الجامعة للأسف المرير!!
فهشاشة البنية التحتية المعرفية
تكون حجر عثرة أمام التلميذ وترافقه مدى حياته إذا لم يتداركِ الأمرَ، ليوليها
اهتماما ورعايةً؛ ويعود إلى ما غاب عنه أو أحسَّ بنقص فيه فيعوضَهُ. وهذه الهشاشة
أثرت في معايير التقويم ودفعت إلى تساهلات. ونتجت عن ذلك أطر ضعيفةٌ، ساهمت بحظها
في تثبيت هذه الهشاشة.
3- المستوى الاقتصادي للأسرة والثقافي:
سأكون حذرا في التعامل مع المعطى
الاقتصادي؛ إذ إنه غير منضبط وتتحكم فيه الأهواءُ وتتدخل فيه اعتباراتٌ عديدةٌ –
فمعيار الفقر/ الغنى غير واضحٍ فهو بكلمة أخرى نسبي يرجع إلى الشخصِ. فهو بالنسبة
إلى غيره فقير وبالنسبة للذين هم أدنى منه غني. دَعْنَا من الذين لا يملكون شيئاً،
ووجودهم ثابت في بلادنا...يعرفونهم بسيماهم!!
كما لا نجهل أن كلهم في هذا العصر إلا من شذَّ
منهم يدْرجُ نفسه في شرذمة الفقراء. وأساس ذلك طموح جامحٌ إلى الأفضل والمقارنة
على أشدِّها بين الناسِ والتنافس على قدمٍ وساقٍ...
ثم خصوصيات العصر؛ فمطالبهُ كثيرةٌ؛ والحاجياتُ والكمالياتُ لا حدَّ لها
وتحصيلها كلها قد يكون من نظير المستحيلاتِ.
وكذلك لن أجازفَ في اعتبارِ
العاملِ الاقتصاديِّ أساسا في مسألة المعوقات الدراسية. فأمثلة كثيرة من أبناء
الفقراء بلغواْ في الدراسة مبلغا وحظواْ بالمراتب العليا، وكثير كذلك من أبناء
الأغنياء لم يواصِلوا دراستهم أو واصلوها بصعوبة.
صحيح إن العامل الاقتصادي له تأثيرٌ ظاهرٌ في التحصيلِ الدِّراسي، فالفقر
إن بلغ حدودَه الدنيا فإنه لا شك من أكبر المعوقات. لكنه إن كان متوسطاً فلا أظنهُ
معرقلاً. كذلك إذا توافرت للآباء قوةٌ وإرادةٌ وزَرَعَا في ابنهما عزيمةً وتحدياً.
فمع الأسرةِ العاقلةِ الذكيةِ كلُّ العراقيلِ والعقابيلِ تمَّحي.
إنها تمهدُ الطريقَ وتقوي إرادةَ
طفلها وتدفعهُ ليحقق وجودَه الدراسي. كما أن الغنَى الفاحش أو المتوسط قد يكون سداً
منيعاً أمامَ التحصيلِ الدراسي والمثابرة، ذلك لما يوفره من وسائل الترفيه
والتواصل... ويحصل هذا التعثر كذلك إذا ضعفتْ سلطةُ الأسرةِ وسايرتْ أهواءَ وشهواتِ
أبنائها.
نستنتج من هنا أن الأمر على
العموم لا يتعلق بالمستوى الاقتصادي غنى/ فقر- وإن كان بعض يسطره في أعلى القائمة-
فهو يرتبط أساسا بخصائص الأسرة، وفعلها التربوي ونتاجها الأخلاقي والقيمي: أي من
الأخلاق التي تثمن الدراسة والتحصيل، وتجعلهما قيمة في حد ذاتهما.
فإرادة الأسرة هي الركن الركين في
هذا الأمر. واجتماع الأسرة العاقلة الذكية الحريصة صاحبة الأهداف مع يسرٍ ماديٍّ
من النعمِ الكبيرةِ. وذلك يجعلهَا أهلاً لتطويرِ مشاريعهَا التربويةِ أكثرَ. فهي
توفر لهم التجهيزات المعينة على الدراسة، كما أنها تغذيهم بمشاعرَ وأحاسيسَ مفيدةٍ
في التحصيلِ والاجتهادِ. ففرق مثلا بين مشاعر من يرزح تحت الفقر ومن يتظلل في فيءِ
اليسر والغنى.
* المستوى الثقافي للأسرة له كبير الأثرِ في التحصيل والاجتهاد، وذلك
لاعتبارات:
الأول: بون شاسع وفرق كبيرٌ بين أسرة متعلمة، لها مبلغ من العلم والفهم
وأخرى أميةٌ أميةً أبجدية.
الثاني: الأسرة المتعلمة بحوزتها منهج ومنطق وأهداف تريد تحقيقها وتربية
أبنائها على منوالها.
الثالث: الأسرة المتعلمة لها تجاربُ تفيد منها أطفالها. إذ تجنبُ أبناءها
الأخطاء التي وقعت فيها، فيتشربون التجاربَ وعلى منوالها يمضون في مسارهم. لهذا لا
تجدهم يتعثرون في المستويات الأولى، ولو بلغ منهم الإهمال مبلغا؛ ذلك أن الزادَ
التليد لم ينقطع عنهم بعدُ، أما إذا طال الإهمال ونفذ الزاد فينقطع بهم السبيل.
الرابع: تروج في البيت مفاهيم ومصطلحاتٌ ومسائلُ تماثل التي يجدونها في
الفصل الدراسي. وهذا ما لا يحظى به الطفل الآخر.
الخامس: الأسرة المتعلمة تكون لابنها كمدرسة أولى وثانية:
- مدرسة أولى قبل التحاقه بالمدرسة، حيث يتعلم الجم الغفير من المعلوماتِ
والمناهجِ...
- مدرسة ثانية بعد عودته من المدرسة تكون مجيبةً عن الأسئلة التي يطرحها،
وتجيب عن مشاكله وتحدياته. أما الطفل الثاني فلا يعتمد إلا على نفسه. ونِعْمَ السَّنَدُ.
السادس: الأسرة المتعلمة تكون على اطلاع بآفاق ابنها الدراسية، فتوجهه
التوجيهَ المطلوبَ، وتساعده في ذلك، إذ لها معرفة بمجالِ تفوقه وميوله. أما الثاني
فلا معين له ولا ظهير؛ وحديث التوجيه حديث ذو شجونٍ!!!
ولكن لا يمنع ذلك من تسجيل بعض النقاط:
-
يمر الموجه على
التلاميذ مرور الكرام يبسط أمور وتغيب أخرى.
-
جل التلاميذ
المتوجهين وجهة الجدع المشترك الأدبي لا علاقة لهم بالأدب وعلومه. وبإلقاء نظرة
على نتائجهم تكتشف ذلك. فما حصلوا عليه في المواد الأدبية وكذا العلمية هزيلٌ جداً.
أما الذين توجهواْ وجهة علمية فغالبهم من التلاميذ النجباء في المواد كلها- بما في
ذلك المواد الأدبية.
ونخْلص من ذلك إلى القول بأنَّ شعبة الآداب
وعلومها على الإجمال هي مقصدُ من سُدَّت في وجههم كل الأبواب لضعفِ كفاءتهم بطبيعة
الحال. فقصدوها وفي أذهانهم أن عمدتها الحفظ. فلو ضبط التوجيه وأحكم لما كانوا
ليوجهواْ إليها لأنَّ وبالهم فيما بعد عظيم... فما يعانونه من عوزٍ يرافقهم إلى ما
لا نهاية، ولا شك أن لذلك تبعات من أنواع أخرى.
السابع: أمور أخرى كثيرة وفروق عديدة.
إن المنهجَ أي منهج، الخطةَ أي
خطةٍ إذا لم تأخذْ هذه الملاحظات بعينِ الاعتبار، فلنْ يصلَ إطلاقا إلى النجاح؛ إن
كان يتوخاهُ ويصْبُوا إليه.
فهي من أولى الأولويات التي يجب أن تسطر في كراسات المخططين والمنظرين
للتربية والتعليم، وغيرهم. وإذا كنا مستوردين لخطة معينة أو تصوراتٍ فلازم أن نحدثَ
بها تغييراً وتحويلاً على ضوء هذه الملاحظات التي بيْن أيدينا. كيلا يكون تخطيطنا
أو منهجنا مُشوهاً أعرجَ أو أحولَ؛ أو بيدٍ واحدةٍ.
وهاك مواطن الخلل في التعليم، موجزة، لتكون بصيراً بها:
-
غياب رغبة
فعلية في الإصلاح؛
-
غياب الأهداف
التي من شأنها أن تدفعَ التلميذَ إلى التحصيل الجيد والمشاركة الفعالةِ.
-
خطورةُ وسائل
الإعلامِ خصوصاً الشاشةَ، التي صرفت التلاميذ عن التحصيل والدراسةِ والمثابرةِ،
فأهملواْ واجباتهم الدراسية.
-
ضعف سلطةِ
الوالدينِ وفقدانِ الأسرةِ لتوازنها في ظلِّ زمرةٍ من الأحداث ساهمت جميعا في ذلك.
-
هشاشة البنيةِ
التحتيةِ المعرفيةِ للتلاميذِ، وتراكماتُ ذلك عبر السنواتِ، وتأثيرُ ذلك على
المنظومةِ التقويميةِ وعلى المستوى الدراسي.
-
المستوى الاقتصادي
للأسرة ومساهمته الإيجابية والسلبية.
-
أمية الأسرة،
أمية أبجدية وأخلاقية، لها يد طولى ظاهرةٌ وخفية في إعاقةِ تعلم الطفل التلميذ،
وتأثيراتها العميقة على المستوى البعيد.
لاحظت من
خلال العرض أن العوامل متداخلة تبدأ مشاكلَ ثم تتحولُ إلى أسبابٍ وتعطي نتائجَ، وهذهِ
تولدُ أسباباً أخرى، وهكذا دواليك...تتألف لتصبح مشاكلَ كبرَى مركبةً يتداخلُ فيها
النَّفسي والاجتماعيُّ والثقافيُّ والأسريُّ.
وتكمن بؤرة هذا كله وقطب رحاه
وجذعه في الأسرة/ أب- أم.
وكلما طال الأمد عليها- وهي على هذه الحال- زادت تعقيداً إلى نظيرهِ.
العقلية
المكتبية:
سنخوض تحت هذا العنوان في أمر
ذي بال، وهو الهدف والغاية من التحاقِ أبنائنا بالمدرسة والكليات. فما الدافع إلى
ذلك؟
الذي يروجُ بين الناسِ أنَّ الهدف
الرئيس هو الحصول على عمل (أي مكتب) لا أقلَّ ولا أكثر. فالمدرسة من أجلِ التنويرِ
أو طلبِ العلمِ أو محوِ الأميةِ لا معنى لها ولا قيمةَ. فهذه الأهداف تبعِيَّةٌ،
بل في بعض الأحيان مقصيةٌ من الاعتبار. فلو أن المدارسَ غلَّقت أبوابها ما فكر جلُّهم
في طلب الدرس إلا من حيثُ هو سبيل إلى طلب العمل (الوظيفة). فالمدرسة ارتبطت في
فكرنا بالعمل والمكتب، وإن أضمرنا ذلك في النفوس.
ومن حق الناس أن يتصوروا هذا التصور لأن المدرسة سجنتهم في أقفاصها سنوات
توهمهم بالتعلم والعمل والتأهيل...وإنما كان قصدها برمجة الناس ببرامج معينة...لصنع
المواطن المستهلك!
كما أن المتأمل في البرامج التربويةِ التعليمية يلفيها تهيئ الطفل /
التلميذ ليكونَ صاحب مكتبٍ موظفٍ.
إذ تركز على الجوانب المعرفيةِ والسلوكية والوجدانية التي تؤهله ليكون
كذلك، وكأن الحياةَ مقتصرة على المكتب / الوظيفة العامة. إنها تغرس فيه هذا الفكر
وتزرعه زرعاً...
فيستحيل إذن قولبة الناس/ الأطفال
في قالب واحد، وفرض نوع من التقويم لا يؤهلُ إلا بعضهم لتجاوز اختباراته. أما
البقية فإما أن تتكيف عنوةً أو يلقى بها إلى الخارج. فهي اختبارات معرفيةٌ محددةٌ
تختبر في المتعلمين جوانب معينة، فهِيَ تُلَخِّصُ الطفل في الجانب المعرفي المحدد
الذي تنـزع إليه هي، وتُهْمِلُ الجوانب الأخرى التي يتفوق فيها.
تبعاتُ هذا خطيرةٌ على المستوى
البعيد، فلا تجد منهم من يقربُ كتابا بعد دخولِ غمار حياة العمل، وقد يكون هذا من
أهل الميدان أستاذا أو طبيبا... فلما حققَ هدفه وبلغ مقصده فلا حاجة له إذن إلى
الكتاب أو متابعة تأيتهِ بجديد. فيكتفي بالذي كان يعرف وإن كان لا يكفيه أو تلقاه
في التكوين ويقطعُ صلته بالكتابِ قطعاً. همُّهُ ليس الكفاءةَ ولا الجودةَ ...بل
شغله المقعد المقيم الدراهمُ والدراهمُ . ومع سير الأيام يصبحُ كسائر الناس لا
يتميز عنهم البتةَ إلا بتلك السنين التي قضاها في عمله فزودَتْهُ بتجربةٍ.
نلاحظ أن الجهات المسؤولة لا تعتني بالتكوين وإعادة التكوين وتحفيز
الراغبين في تجديد معارفهم وبناء خططهم. صحيح هناك بعض الدورات التكوينية، لكن لا
جدوى من ورائها، من نواح متعددة، فأغلبُ المكونين في حاجة إلى تكوين، ثم إن
التكوين لا يكون مثمراً إلا إذا كان مصحوباً بالتعزيزين الإيجابي والسلبي...
المشاكل وهموم الأسرة
والمسؤوليات ليست حجةً يعتمد عليها. فما تلكَ إلا ذراع يُتوسلُ بها إلى الهروب من
المسؤولية الملقاة على عاتقه. فكل راعٍ مسؤولٌ عن رعيتهِ، ومن المسؤولياتِ العظيمة
تغيير الخطط وتجديد المناهجِ ونقدُ التصوراتِ القديمةِ وتحديثُ طريقةَِ العملِ
والإفادةِ من المعطياتِ الجديدةِ ... فما كانَ البارحة مجدياً لا يكون كذلك اليوم،
فلنغير سلوكنا. وذلك يتوقفُ على تعزيزِ الجهاتِ المسؤولةِ لهذه العملية؛ فقد جرت
العادة أننا نحاسبُ الراعي ولا نحاسب الغنم!
حاولنا ما أمكن من خلال هذه
الوريقات الوقوف على بعض مثبطات التدريس الفعال. وفي نيَّتنا أن معرفةَ هذه
المشاكلِ سينوِّرُ أذهاننا ويبصرنا بالمسائلِ التي يجبُ أخذُها بعينِ الاعتبارِ
عندَ بناءِ الخططِ وتسطيرِ المناهجِ. وليس بإمكانِ فردٍ واحدٍ أن يبني تخطيطاً شاملاً
كاملاً صالحاً، بل ذلك يتوقف على عمل وجهدٍ جماعي منظم جادٍّ يأخذ بالاعتبار
خصوصياتِ المجتمع ومشاكلَه التي ينماز بها عن غيره. دَيْدَنهُ الوضوحُ والسهولة
وترك الطَّنَّان من الألفاظ التي لا تصِلها بالواقع أية صلةٍ. كما أن أسلوب
التعميم والتعتيم لم يعدْ مجدياً إذا أردْنا حقاً أن نسعى بتعليمنا إلى الأفضل
الأليق. أما منهج اللفِّ والدورانِ وتسويدِ الصفحاتِ والترجمة قبل فهم المعاني فتركه أولى وأفيد...
حقيقة
التدريس الفعال
التدريس الفعال كما تصفه الكتب التربوية:
1-
تركيزه على
التلميذ بذل التركيز على الأستاذ أو المادة المعرفية؛
2-
مراعاته
للفوارق الكائنة بين التلاميذ؛ خصائص وجدانية؛ معرفية ومهاراتية، وأخذها بعين
الاعتبار عند التفاعل مع التلاميذ.
3-
كونه يستند إلى
مشاريع تكون في شكل مشاكل؛ تطرح على التلاميذ للبحث عن حلولها؛
4-
الأستاذُ مسهلٌ
للعمليةِ التعليمية التعلمية؛ وليس ملقناً للمادة الدراسية؛
5-
احترام أسئلة
التلميذ وتحفيزه على إيجاد أجوبة لها من عبقريته؛
6-
تعويد التلميذ
على العمل الحر أو المشروع الذاتي؛ دون نقد أو تنبيه قد يحد من تدفق طاقاته أو
يكبح محاولاته؛
7-
استجابته
لميولات التلاميذ ورغباتهم؛
8-
تجنبُ إصدار
أحكام قيمية على سلوك الطفل دون شرح الأسباب والنتائج المترتبة على ذلك؛
9-
تشجيع
المتعلم على استقلالية الفكر؛ وتحفيزه على الخلق والإبداع والتجديد؛
10-
تشجيع
المتعلم على التفكير والوعي والتبصر حتى يتمكن بنفسه من الفهم والإدراك المباشر
للحقائق بدل الاعتماد على الحفظ الآلي دون الفهم والاستيعاب؛
11-
إتاحة الفرصة
للممارسة العملية وتهيئة سبل التجربة والمحاولة والخطأ مع التوجيه السديد الذكي؛
12-
جعل المتعلم
يكون المفاهيم ويضبط العلاقات بين الظواهر بدل أن يستقبلها عن طريق التلقين؛
13-
جعله يكتسب
السيرورات الإجرائية قبل بنائها رمزيا؛
14-
جعل المتعلم
يضبط بالمحسوس الأجسام والعلاقات؛
15-
تعويده على
المقارنة الإستكشافية عوض الاستظهار العقيم للأفكار والمفاهيم؛
16-
تدريبه على
التعامل مع الخطأ كخطوة في اتجاه المعرفة الصحيحة وتمكينه من المراقبة والتقويم
الذاتي كشكل من أشكال التجاوز والنفي وإقصاء الاضطراب والنتاقض كعوائق؛
17-
إكسابه
الاقتناع بأهمية التكوين الذاتي اعتمادا على تبني منطق التفكير، والاستدلال وإلغاء
المعرفة المشوشة؛
18-
الربط بين
النظري والعملي. وربط التعليم بمواقف الحياة الاجتماعية؛
19-
تكوين مواقف
التعاون والعمل الجماعي الهادف إلى تحمل المسؤولية؛
20-
التدرب على
التخطيط وأساليب التسيير والتدبير؛
21-
تنمية الرقابة
الذاتية عند التلميذ للحرص على بلوغ ما يطمح إليه من تلقاء ذاته؛
فإذا كانت
الطرائق الفعالة قد أعطت الصدارة للمتعلم باعتباره المحور الذي تدور حوله التربية
والتعليم؛ فإن هناك مجموعة من المفكرين والباحثين يعتبرون أن ما قامت به هذه الطرائق
الفعالة هو مجرد وهم بيداغوجي حسب تعبير
بورديو أي مجرد طلاء نوهم به
أنفسنا وتلامذتنا على أنهم يحتلون مكانة أساسيا في العملية التربوية والتعليمية؛
في حين أن الواقع لا يختلف عما عليه الأمر في السابق/ ولتوضيح ذلك قام جيلبير لورو بدراسة تحليلية لـ79 درسا من الدروس التي
اعتبرت بمثابة دروس فعالة فيتبين أن المدرس ينسج بلباقة خيوط تبعية للمتعلم للدرس
ويكرس الاتكالية عليه بشكل مقنع انطلاقا من أسئلة إيحائية مما يجعل التلميذ يجيب
بالشكل الذي يريده هو، طبقا لأهدافه المسطرة سلفا. إنها لعبة محبوكة توهم التلميذ
بالمشاركة والأستاذ بالفعالية وما ذلك في حقيقة الأمر إلا وجهٌ آخرُ للتلقين
والتحفيظ[1].
هناك
عوائق تقف أمام الأستاذ لتحقيق تلكم المطالب، وإن كنا لا ننفي تمكنه من تنفيذ
بعضها من تلكم العوائق:
- تكوين
الأستاذ الذي يرتد إلى الأساليب القديمة
التي درس بها؛
-
كسلُ الأستاذ حيث يكتفي بالذي يعرفُ ولا
يواصل البحث عن الجديد في مجال التربية والتعليم؛ وأقصد منه المفيد والإجرائي لا
كتب اللف والدوران، ولهذا أسباب موضوعية ومنطقية!
-
لا ينتقد تجاربه السابقة ليطورها؛
-
الاكتظاظ داخل الفصل وهذا عامل حاسم؛
-
حصيلة التلاميذ المتدنية جدا؛ بعضهم حقا
صحيفة بيضاء. لذا يصعب عليه أن يكون التسهيل والتنسيق بدل التلقين؛
فضلا
عن غياب الرغبة لبعضهم في التحصيل
والتمدرس؛
- قلة
العتاد والوسائط التعليمية، وإمكانات الملاحظة الميدانية، فهذه الوسائط عتيقة جدا؛
قاعات دون المستوى/ سبورات غير صالحة / مقاعد غير ملائمة...
-
انعدام الدورات التكوينية التي من شأنها
أن تنور تجربة الأستاذ وتطلعه على الجديد؛ الدورات الفعلية الحقيقة، لا الدورات من
أجل التقارير وتقديم الإحصائيات!!
-
مشاكل اقتصادية لها حظ الأسد في
التوترات النفسية عند الطرفية أستاذ وتلميذ؛
أساتذة
الجامعة في غنية عن التكوين
لسنا ننتقص من قيمة أحد، ولا ندعي أنه لم يكون
نفسه بنفسه ولم يطور طرائقه، ولسنا نشك في كفاءة بعضهم، لكن من حقنا أن نعرف السبب
في أن أساتذة الجامعة لا يخضعون لتكوين تدريسي تعليمي، فمعظمهم من طالب إلى أستاذ.
فلست أدري هل هم في غنية عن علوم التربية وطرائق التدريس، وأساليب التواصل أم أن
لهم ما يخول لهم أداء مهمتهم على أحسن ما يطلب أم السرعة والعجلة هي السبب في ذلك
وشيء من التهاون والتغافل وخوف المصاريف؟
لست أظن أن أحدنا
سيخوض بحر التربية والتعليم إذا لم يك مسلحا بما يكفي من المناهج والمعارف التقنية
والمنهجية وإدراك خصائص الطلبة النفسية والفكرية والاجتماعية ...وإن كنت تظن ذلك
فلتنتظر العبث والثمار المرة أو الفجة.
ولا إصلاح إذا لم يؤخذ
هذا بعين بصيرة.
المفتش
الأكبر والمشرف التربوي الحقيقي
يعد الطالب/ التلميذ أعظم مقيم لعمل الأستاذ،
فإن حكم بكفاءته فلا تلتفت إلى حكم غيره، وإذا شهد بالعكس فلتعلم أنه صحيح. ولست
أقصد فرادى التلاميذ بل إجماعهم الصريح والسكوتي/ الضمني. فمدرجات بعضهم ملآى
بالطلبة عن آخرها وآخرون خاوية على عروشها. وفي هذا دلالات كثيرة!
قد يقول قائل إن الطالب/ التلميذ ليس أهلا
بالحكم على أستاذه من حيث الإجادة أو عدمها. فنقول له: إن ما تقوله صحيح من
الناحية النظرية غير صحيح من الناحية العملية. فالتلميذ/ الطالب قادر على الإصابة
في الحكم من الناحية العملية وغير قادر من الناحية النظرية. وجانب العمل أوفى حظا
عند العقلاء من النظري، بل هو الأصل. فضلا عن هذا فإن التجارب النزيهة تثبت صدق ما
ندعي.
التدريس الفعال يحتاج إلى مدرس فعال متمكن من
المادة التي يدرس، عارف بخفاياها، لا يغيب عنه منها شيء، عارف بأسهل الطرق
لتبليغها ومطلع على ما جد في حقلها، مجدد معارفه بين الفينة والأخرى له من النشاط
والحيوية ما يكفي، محب لمهنته متفاعل في فصله فطن ذكي حسن التعامل معسول اللسان
مرن الفكر غير متخشب يتمتع بالصحة الجيدة،
عالم بخصائص تلامذته / طلبته قادر على استكشاف مواطن القصور، والخلل في طريقته،
وفي طريقة تعلم المتعلمين فصيح اللسان، حسن السمت، أمين نصوح قدوة، بفطنته يسبر
المعلومات سبرا وينقش عليها نقشا ويقلبها لتحل محلها وتقع موقعها.
متسلح بفكر علمي منهجي يجمع درسه بين المعلومة
والمنهج ممتلك حسا نقديا، وزارع له، يفتح المجال للسؤال ويجيب بلا أدري إذا كان لا
يدري، محفز على البحث والاطلاع من خلال ما يطرح من مشاكل – للبحث – وأسئلة تفتح
شهية المتلقين للاكتشاف والتعلم. يبْسط المشكلات من المسائل ويطرحها طرحا سهلا غير
عسير.
" إن العلاقاتِ
داخل نسيج العملية التعليمية التعلمية لا تتوقف فقط على الجانبِ المعرفي وحده، بل
تتعدى هذا الجانب ليطالَ بعداً نفسياً اجتماعياً، يتدخلُ هذا البعدُ النفسي
الاجتماعي بقوة لينسج بين المعلم والمتعلمين في وضعيات التعليم – التعلم علاقات
نفسية اجتماعية تؤدي إلى تشكيل المناخ السائد داخل الفصل: فالناظر في العلاقات
التربوية في بعدها النفسي الاجتماعي سيلاحظ الترابط بين سلوك المدرس وتلامذته؛ ذلك
أن نوعية السلوك لا نراه لدى نفس التلميذ في فصل آخر عند أستاذ آخر ، وهكذا يظهر
أن كل طرف من أطراف الوضعية التربويةِ يدرك الطرف الآخر من خلال مراشح ينكسر عليها
الواقع الموضوعي الذي يسود فضاء الفصل الدراسي..." (سلسلة التكوين التربوي
العدد 3 ص93)
مراعاة الفروق الفردية بين الإمكان
والعدم
جاء في كتاب سلسلة
التكوين التربوي العدد السادس ما يلي:
" ولعل من أهمِّ
النتائج المتوصل إليها في مجال سيكولوجيا التربية، هو ما يميُّز به كلُّ فرد من
خصائص فردية تجعله يختلف عن الآخرين؛ ليس فقط في حصيلة ما يتعلم؛ بل أساسا في
طبيعة استراتيجيات تعلمه stratégie
d apprentissage أن التعلمَ نشاطٌ ذاتي أو مسألة فردية، ويجبُ أن ننظر إلى كل متعلم على هذا الأساس.
أن المتعلم غالبا ما ينفر من كلِّ عمل أو نشاطٍ
يجبر عليه أو لا يتماشى وطبيعة أسلوبه في التعلم. وعلى العكسِ من ذلك نجده يميلُ
بشغفٍ وحماسٍ كبيرينْ إلى تعلم مواقفَ ومهاراتٍ ومعارفَ حينما تقدم له بشكل يناسب إستراتيجية
تعلمه ". ص:108
- يقول
عبد الكريم غريب في هذا السياق:" في كل دراسة تربوية يكون من المهم جداً
التذكيرُ بهذا الموضوع، ذلك أن الدراسات السيكولوجية منذ فجر القرن العشرين حيث
ظهر أول اختبار للذكاء على يد ألفريد بنييه A.binet سنة 1905 أصبح من باب التسليم بأن الأفراد يختلفون فيما بينهم على
مستوى الاستعداداتِ والقدراتِ ...ومن هنا يصحُّ من نافلة القول الإقرارُ بأن
المدرسةَ مطالبةٌ بتطبيقِ وظيفتها الطبيعية المتمثلة أساسا في احترام وتقدير الإمكانيات الطبيعية
والاجتماعية للأطفال الوافدين عليها، والعمل على إدماجهم في نسيج المجتمع عوض الزجِّ
بهم في وادي الإحباط وخيبةِ الأملِ..."
(استراتيجيات الكفايات وأساليب تقويم جودة تكوينها ص: 38-40)
كيف ذلك؟ يجيب محمد أمزيان قائلا: " إن
مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين وبناء منهاج دراسي يستجيب لحاجات المتعلم هو نوع من تكافئ الفرص
أمام المستفيدين من خدمات المدرسة، ومن أجل تفريد التعليم يتعينُ اتباع الخطوات
التالية:
- تقويمُ
حصيلةِ المعارفِ والمهاراتِ التي يتحكم فيها المتعلم قبل انطلاق مرحلة التكوين؛
- ضبط
الأنشطة والمهارات المتوخَّى بلوغها خلال مرحلة التكوين؛
- ضبط
الأنشطة والمهام التي سيقوم بها المتعلم أثناء تعلمه؛
- تعيين
الوسائل والإجراءات المرافقة لإنجازات المتعلم وفق جدولة زمنية مضبوطة؛
- رصدُ أدواتِ تتبع وتقويم كفايات المتعلم استناداً
إلى معايير موضوعية؛
- رصْدُ
خطةِ عمل لدعم وتثبيت الكفايات المتوسطة الواجب توفرها لمتابعة التعليم. (أنظر
الذكاءات المتعددة وتطوير الكفايات ص:95)
ورد في معجم علوم
التربية- مصطلحات البيداغوجيا والديداكتيك" في تعريفِ الطريقةِ الفارقيةِ: "إجراءات
عملية تهدفُ إلى جعل المتعلم متكيفاً مع الفروق الفردية بين المتعلمين قصد جعلهم
يتحكمون في الأهداف المتوخاة.
تتسم البيداغوجيا
الفارقية:1) بكونها بيداغودجيا مفردنة تعرف بالتلميذ كشخص له تمثلاته الخاصة.2)
بكونها بيداغوجيا متنوعة لأنها تقترح مجموعة من المسارات التعليمية تُراعي فيها
قدرات المتعلم. 3) بكونها تعتمد توزيعا للتلاميذ داخل بنيات مختلفة تمكنهم من
العمل حسب مسارات متعددة، ويشتغلون على محتويات متمايزة بغرض استثمار أقصى
إمكانياتهم، وقيادتهم نحو التفوق والنجاح.
وتطبقُ البيداغوجيةِ الفارقيةِ من خلال مجموعة
من الإجراءات الديداكتيكية هي: - انتقاء الأقسام والمواد – جرد الأهداف العامة
للأهداف المدرسة – تحديد الأهداف مع مراعاة عامل الوقت ودرجة التحكم في المنهجية -
اختيار وإعداد البنيات الملائمة- تعيين الأهداف المراد تحقيقها- تحديد المقطع
الديداكتيكي ومعيار النجاح- إنجاز تقويم جرْدِي".(انظر الصفحة: 259 )
بعد عرض
هذه النصوصِ نتساءلُ عن حقيقة الطريقة الفارقية وإمكانيات تطبيقها.
- فما
هي حقيقة هذه الطريقة؟
- وما
هي إمكانيات تطبيقها؟
أما عن اختلاف الناس أطفالا وغيرهم فأمر ثابت
لا يحتاج لبرهان لأسباب وراثية وأسرية...فلكل فردٍ ما يميزه عن غيره ولكل عقلية
تخصه، ولكل أسلوبه في التفكير وقدراته...هذا على سبيل التفصيل، أما على سبيل
الإجمال فهناك خصائص عامةٌ يشترك فيها البشر جميعاً وأخرى يشترك فيها أهل البلد
الواحد وأهل البيت الواحد...
لا أنْفِي أنهُ يمكن تغليف الناس في غلاف واحد
إذا قُدمت لهم ثقافة واحدة ومشاهدُ واحدةٌ. والعالم الآن يسير في هذا الطريق بخطى
حثيثة؛ نحو بناء نموذج واحد لا يختلف عن بعضه إلا في بعض التفصيليات والجزئيات
التي لا قياس لها؛ وتُفهم فهما جليا في ظل فلسفاتِ صنع المستهكين.
والواقع الآن أمامك خيرُ شاهدٍ وبرهان على
أطروحتي، فما يميز الناسَ عن بعضهم قليل لا عبرةَ به. فالأذواق كادتْ تتماثل
والسلوكاتُ كذلك، وكذا أنماطُ التفكيرِ ومقاييسُ التقييم والتفصيل.
بالتأملُ في مضمون المنهجية الفارقية تأملا
عميقاً تجدها تعطي الأولوية لاختيار التلميذِ ورغبته؛ هذه الرغبةُ المنبثقةُ حسبَ
هذا الطَّرح من خصائصه المميزة، وجلُّ هذه الخصائص آتية من الثقافة التي تلقَّاها
في محيطه الأسري والاجتماعي- أما الجانب الوراثي فرُغم ما قد يقالُ عنهُ: فهو هيكل
فقط لا تأثير له إلا من حيثُ هو خاناتٌ إطاراتٌ تملؤها الثقافةُ. وجل البشر تقريبا
لهم من هذه الإطارات ما يكفي؛ ونستثني من هذا غير المؤهلين وراثيا إما لمرض أو
نقص...
ومنْ هنَا فإنَّ
مراعاةَ الفُروقِ الفَرديةِ يعني مراعاة الفروق الثقافيةِ بصرف الطرفِ عن نوعيةِ
وصلاحيةِ هذه الثقافةِ، سواء أكانتْ وحشيةً
أم ماديةً أمْ أسْطُورِيَّةً أم حلولية أم انحلالية- فتصبح الثقافة المعيَّنَةُ حاكماً علَى
المدرسةِ وتوجيهاتِ المدرسةِ ومبادِئهَا؛ إنْ كَانَتْ مَحْكومة بها، فواجبٌ عليها
إذن أن تنسجم مع طلبات الثقافة.
والأولى والأحرى بالمدرسة؛ المؤسسة التربوية
عموما؛ أن تكون غِربالاً للثقافاتِ: بعبارة أخرى أنْ لا تساير أهواءَ وميولاتِ
وتوجهاتِ التلاميذِ أو ما أطلق عليه بالفوارق الفردية.
وإذا افترضنا أن اعتبار
هذه الفوارق الفرديةِ ضروريٌ من جهة المدرسة أو المؤسسة أو الأستاذ فإنها كثيرةٌ
ومتنوعةٌ ومختلفةٌ تعسرُ مسايرتُها جميعا، وكذا تصنيفها في خانات محدودةٍ. بل كيف
العمل في الفصل الواحد؟ فهذا التلميذ يعتمد أسلوب الاعتماد أو الاستقلال عن المجال
وهذا أسلوب التأمل أو الاندفاع، وهذا تكوين المدركات، وذلك أسلوب استدعاء مخزون
الذاكرة ، وهذا أسلوب تفحص وتدقيق المدركات، وهذا أسلوب التعميم أو التخصيص، وهذا
أسلوب البساطة أو التعقيد، وهذا أسلوب المغامرة أو الحذر وذاك أسلوب الغرابة أو
المألوف، وهذه أسلوب التصلب أو المرونة...
وتأسيسا على هذا فنحن في حاجة إلى متخصصين
يصنفون التلاميذ إلى مجموعات وأصناف مراعاة لخصائصهم، وفصل المختلفِ وجمع المؤتلفِ.
ولا أشك أنهم قد يعثرون بنماذج كثيرةٍ، ولتخصص لكل صنف منهم فصول خاصة ومناهج خاصةٌ
وأقلامٌ خاصةٌ وسبورات خاصةٌ...!!
ألست ترى في هذا شيئاً،
بل أشياءً من المبالغةِ والاستحالةِ؟
- ولست
أدري من أقحم هذه المعطيات إلى عالم المدرسة والتعليم؟
والنظرية ليست تقبل التطبيق في كل المجالات،
فإذا كانت الفروق الفردية بين الأطفال / الطلبة ثابتة فمنَ الصعبِ إدخالُها
المدرسة بين عشية وضحاها.
- إن
عَلْمَنَةَ البشر من أكبر الأخطاء التي ترتكب في حق البشرية.
وليس الإشكال الحقيقي
في التربية والتعليم في مراعاة الفروق الفردية أو عدمها وإنما في شيئين اثنين:
- غياب
رغبة المسؤولين في الإصلاح الفعلي،
- تدني
واجب الأسرة؛
- البرامج
التعليمية والمقررات؛
فلو هيئ التلميذ في
البيت التهيئة المناسبة، ولو كانت المقررات في المستوى المطلوب فإن التعليم سيكون
في طريقه الصحيح المنتجِ.
فتبعا لتدني مستوى التلاميذ / الطلبة تدنَّتِ
المقرراتُ؛ حيث أصبحت شبه خالية من المعارف والمعلومات. أصبحت المقررات وصفيةً
يغلبُ عليها طابعُ الإنشاء، حبلى بالصور؛ ويا ليتها كانت معبرة وضعت وفقا لدراسة.
تكاد تشبهُ معلوماتها المعارف المتداولة بين الناس: أقصد معارفَ سطحيةً وساذجةً؛
لا تروي الغليل ولا تشفي العليل. ولست أدري ما الداعي إلى ذلك؟
ونحن نعلم أن التلميذ لا يتجاوز المقرر
الدراسي؛ فهو المصدر الوحيد الذي يتعامل معه، فإذا كان قصدهم أنه سيبحث في المصادر
والمراجع الأخرى فقد أخطأواْ.
فرقٌ
شاسعٌ بين كتاب الفكر الإسلامي والفلسفة لقسم الباكالوريا البارحة وكتاب
اليوم، وكذا التاريخ والجغرافي والتربية الإسلامية وهلم جرا.
زد على ذلك هاجس الزمن حيث الحرص كل الحرص على
زمن الدرس على حساب زمن التعلم فالمهم هو أن ينهى المقرر، أو الدرس أو الوحدة...
في الوقت الذي حدِّد لها بغض النظر عن درجة استيعاب التلاميذ.
ولا فرق بين أستاذ جاد مثابر حريصٍ، وآخرَ
مهملٍ متهاونٍ كلاهما سواء أمام القانون؛ قانون الترقية قانون الامتياز...وهذا
كذلك من الإشكاليات الكبرى...
هذا من شأنه أن يقف
حجر عثرة أمام الفعالية المنشودة.
والذي ألاحظ هو إغفال المسائل الجوهرية؛ التي
لا يخامرني أدنى شك في جدواها وفعاليتها، بالمقابل يُرَكز على أمور هامشية، بل في
بعض الأحايين لا طائل تحتها. فتولى من الأهمية ما لا تستحقها فيكون ذلك ضغثا على
إبالة.
من المسائل الجوهرية
في العملية التعليمية التعلمية:
- تفريط
واضح من الجهات المسؤولة،
- تدني
واجب الأسرة،
- تلاعب
القنوات بالعقول، وكثرة وسائل الترفيه والتسلية...فغدت الهجرة إلى الخارج مطمح
الأطفال جلهم.
- شركات
منتجة للفساد في مجال اللباس والزينة والسينما...
- مقررات
غير مناسبة،
- الهدف
من الدراسة (أو لماذا أدرس؟) آفاقها...
فلو أجيب عن
هذا السؤال الجوهري: (ماذا بعد التخرج/ الدراسة؟) لتهافتَ كلهم متطايرين إلى طلب
الدرس أحسن طلب ولا داعي يومئذ للحديث عن الفوارق الفردية أو غيرها، فإن التلميذ
سيتكيفُ مع جميع الطرائق مناسبة وغير مناسبة. وكنْ على يقين من أطروحتي هاته.
وساعتئذ ستكافح الأسرة لدمج ابنها في عالم
العمل...
فإذا استطاع التلميذ
أن يجيب عن السؤال لماذا أدرس؟ فإنه سينطلق إليه انطلاقاً وسيكون فرداً منتجاً في
فصلهِ طموحاً وسيكونُ المتعثرونَ حالاتٍ شاذةً في هذه الحال. أما إذا لم يَتَّضح
الجوابُ ولم يُعرف المصير، فإن التمدرس والتعلم سيكون وبالا على الأسرة والمتعلم
والدولة. ذلك أن التعلم- بل كل شيء- في زماننا الهدف منه تحقيق الربح المادي لا
أقل ولا أكثر، سواء أصرح بهذا أم لم يصرح!!!
أما الذين يدرسون من أجل محو الأمية أو التعلم
أو التفقه فهم قلة قليلة جداً.
وما دام ذلك كذلك فإن
مفتاح التربيةِ والتعليم في تقديم إجابة شافيةٍ عن السؤال: ماذا بعد الدراسة؟ وإذا
أجيبَ عنه كما وصفت كفيتكَ شرَّ المناهج والبرامج والنظم، وشرّ التفكير في الطرق
والوسائل؛ وما يتبع ذلك من مصارف كبيرة-
إما في ذاتها أو بسبب ظاهرة اللصوصية التي باتت تسري دما في عروق كثيرين من أبناء
هذا الوطنِ الحبيب!!
فإذا كان التعلم يحتاج إلى تعزيز ومكافأة، تحفز
المتعلم وتشجعه، وتصنع حوافزه الداخلية، وتصحح مساراته؛ إذ السلوك الذي لا يعزز
سرعان ما ينطفئ أو يضمر، فكذلك التعلم بصفة عامة والتمدرس، فلا مناص من ربطه
بأهداف تعزيزيَّة تشجيعية تدفع المتمدرس للمضِيِّ قدما نحو التحصيل الجيد
والمثابرةِ الفعالةِ تحقيقاً لذاته وتغذية للذاته. فعندما يتضح الهدف يسهل الوصول،
لأنهُ يغذي الحوافز الداخليةَ ويقويها فتدفع صاحبها إليه، مستغلاً ما بيده من
وسائلَ وطاقاتٍ، مضاعفاً قواهُ، سلاحهُ التحدِّي: وهذا التعزيزُ أولى وأنجعُ من
التعزيزِ الجزْئي في الفصل الدراسي.
كمَا أن تخصيصَ منحٍ وجوائزَ قيمةٍ للمتَفَوِّقِينَ
أمر محبذٌ ومشجعٌ، أقول منَحاً وجوائزَ لا كتيباتٍ وقصصاً تهديها جمعيةُ آباء
وأولياء التلاميذ بعد أخذٍ وردٍّ ونقاشٍ...!!- فهذه لا تكفي.
فنناشد المسؤولين ليولوا هذا الأمر ما يكفي من
العناية العميلة- أما الإجراءات الورقية فنعلم عنها الكثير...- ويخصصواْ نصيباً من
المالِ لهؤلاءِ المتفوقينَ، ويهتموا بهم الاهتمام المطلوب، فهؤلاء طاقات ثمينة
يحسنُ بذوي العقول استغلالُها واستثمارُها الاستثمارَ النافعَ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق