Translate

الجمعة، 1 يونيو 2012

+ الاقتصاد والتفكير


بقلم حنافي جواد

نظرية في :العلاقة بين المستوى الاقتصادي والتفكير

هناك علاقة حميمية بين المستوى الاقتصادي والتفكير

    لا يمكن الجزم بأن المستوى الاقتصادي المرتفع ينعش الفكر والذكاء بإطلاق؛ فمن الفقراء أذكياء أصحاب عقول كبيرة.
  المستوى الاقتصادي المرتفع يهيئ الفرصة لبروز التفكير الجيد والمستقيم؛ أو بصيغة أخرى إنه يكوِّن الفكر والذكاء بالقوة؛ فلا تعجبن إن ليقيت؛ يوما؛ غنيا غبيا وفقيرا ذكيا!

     الذكاء والفكر- في اصطلاحي في هذا السياق- هو الذكاء والفكر بالمعنى الضيق للكلمات، أما إذا أردنا الضبط والتدقيق فإن لكل ذكاؤه وفكره؛ فالذكاء ذكاءات والعقل عقول...فالذكاء/ العقل ابن عصره ومحيطه!

يكون الأغنياء وذوو الدخل المرتفع أو المتوسط أكثر قابلية لبناء فكر وذكاء نوعي يوافق مقتضيات العصر؛ لأن مستواهم الاقتصادي أهلهم للانخراط في عالم خاص، أو بصيغة أخرى أهلهم لاكتساب شخصية وظيفية معينة.

قد يكون المستوى الاقتصادي المرتفع أو المتوسط وبالاً على صاحبه فينطلي على عقله غباء وسذاجة؛ من خلال انجرافه في عالم نوعي له مفاهيمه؛ وهذا النوع لم يستثمر مستواه الاقتصادي في تطوير ذاته ومعارفه وذكائه؛ لكن عودهم إلى الأصل ممكنة وسريعة؛ ذلك لأن المواد الأولية للارتقاء متوافرة فيه بالقوة ومترسبة.

     وليس من باب التنويم اللغوي القول: إن الفقر وتدني المستوى الاقتصادي يكون عامل قوةٍ- في بعض الأحايين- يدفع الفقير دفعا عجيباً إلى الهدف والمقصود، فيفلح ويظفر بالذي فاز به أضرابه من الأغنياء الميسورين، فرتقي إلى مستواهم ويتوارث عنه أبناؤه هذا؛ وقد لا يحسنون استثمار الزاد.

     وهذه العملية الانتقالية تعويضية تصعيدية. وكأن الفقر والوضع المزري الذي كان يعيشه الشخص أضاف له قوة مكنته من السطو على الحاجز؛ وتجاوز الخندق- فالإيمان بالأهداف؛ بل حبها والتعلق بها؛ يصنع العجائب ويحقق المآرب.




فصل
ارتفاع المستوى الاقتصادي يؤهل  (الوجود بالقوة) الناس ليكونوا أذكياء أصحاب عقول، إذا هم استثمروا وضعهم؛ لأن المفاهيم والآليات والأشياء والتصورات المصاحبة للمستوى الاقتصادي المؤهل، جزء هام من الفكر والذكاء (النوعي)؛ بل يمكن القول إن العيش تحت سقف اقتصادي متوسط أو مرتفع يجعل الرجل / المرأة / الطفل ... يحتك بالفكر والذكاء؛ بل يحك / يفرك الفكر والذكاء.

       هذا بغض النظر عن نوعية المآكل والمشارب والملابس والمساكن...التي لها علاقة مباشرة بالصحة الفكرية والنماء الذهني والجسدي والنفسي...

   ارتفاع المستوى الفكري أو انخفاضه رهين إلى حد كبير بالوضعية الاقتصادية؛ فإذا زاد زاد وإذا نقص نقص؛ وكلما استثمر الوضع الاقتصادي الاستثمار الحسن أنتج من الفكر والذكاء الأحسن لاعتبارات كثيرة...

    أعلم علم يقين؛ واليقين المطلق لله؛ أن الفقراء والمعوزين الذين تسلقوا فوصلوا قد بذلوا من الجهد والطاقة ما لا يعلمه إلا صاحب العلم المطلق الله عز وجل، إنهم بذلوا أضعاف أضعاف ما بذله الأغنياء وميسورو الحال عموما!
وكاتب هذه الصفحات يتحدث من منطلق التجربة؛ بل التجارب...وليس هذا استدلالا بالتماثل؛ ولكن ملاحظات واستقراءات واستنتاجات...

      الفقر ثقافة والغنى ثقافة وبين الثقافتين المسافات الشاسعة؛ فالغنى يورث والفقر كذلك يورث؛ والغنى أنواع أعظمه غنى النفس.

         ليس من العدالة في شيء أن تكون العدالة في اختبارات أبناء الفقراء والأغنياء؛ بين أطفال / طلاب لم يسدوا ضروريات من الطعام والشراب...وآخرون يتنعمون في النعيم؛ قد توافرت لهم شروط العيش والكينونة... فالانضباط لقانون الفروق الاجتماعية مسألة بالغة الأهمية.

         النسق الاجتماعي/ الثقافي هو الذي ينتج معايير تقييم الفكر والذكاء. إنها عملية مزدوجة إنتاجية وتقييمية؛ وبعد التقييم التقويم؛ والقويم ثقافة نوعية جديدة. هي عملية تراكمية تطورية بنائية.



     يحسن بي أن أشير في ذا السباق إلى أن معايير تقييم الفكر والذكاء؛ المعمول بها؛ عنصرية،ٌ لا تأخذ بعين الاعتبار المعادلات الاجتماعية. إنَّ بنودها تتلاءم وذوي المستوى الاقتصادي المرتفع أو المتوسط فتقصي المقصيين إقصاء جديدا؛ تحاسبهم قبل إقامة الحجة! 

 الذكاء في ثوبه الجديد
    Å  أذكى الأذكياء على الإطلاق الذي يلتزم الإسلام عقيدة وشريعة؛ وذلك لاعتبارات كثيرة ليس هذا ميدانها.
    Å الذكاء من المصطلحات التي كثر اللغط فيها وحولها؛ وسبب الاختلاف عموما هو تعدد وجهات النظر التي ينظر من خلالها إلى الذكاء، فناظر إليه من الناحية التعليمية، وناظر إليه من الناحية الاقتصادية، وناظر إليه من الناحية الاجتماعية، وناظر إليه من الناحية التنظيمية والمنهجية... ولكل وجهة هو موليها.
   Å الذكاء من المفاهيم الشمولية الزئبقية التي تأخذ لونها في الكوب الذي تصب فيه؛ وتحقق الذكاء المطلق بعيد المنال، وإن كان ممكنا غير محال.
   Å لكل ميدان فرسانه الأذكياء. يكتسبون الذكاء ليس من كثر المراس وطول الدربة؛ ولكن من عمق الفهم والرغبة في التجاوز والتطوير والخلق والإبداع، ووضوح الأهداف والحرص على تحققها.
   Å مقياس الذكاء يختلف حسب العصور والأمصار؛ ومن السذاجة والغباء أن نبتدع مقاييس كونية للذكاء؛ لأن الذكاء - كما نعلم جميعا- ابن عصره ومحيطه.
     وبتصوير آخر: إن الذكاء مكتسب لا فطري[1]؛ وليس من الذكاء في شيء أن نقيس ذكاء من اختلفت أزمنتهم بمقياس واحد.
   Å الذكاء قيمة إيجابية له رباط قوي بالأخلاق النبيلة، فالذكاء لا يعود بالضرر على صاحبه وعلى الناس؛ بل حتى على البيئة والمحيط؛ لا من قريب ولا من بعيد، لا بصورة مباشرة ولا غير مباشرة. فمن صفات الذكي الصلاح والإصلاح؛ وكل من لم تتوافر به الصفتان فليس من الأذكياء؛ ومن عده من الأذكياء عددناه من الأغبياء.
    Å ليس الذكي الذي يردد ذكاء الأذكياء أو يحفظه ويشرحه؛ بل الذكي الذي يعمل آلات عقله فيتعامل مع الموجودات (العالم الفيزيائي والطبيعي والكتب والناس...) ليكتشف الروابط الجديدة، ويستنتج الاستنتاجات، ويتجاوز الأخطاء، ويضيف إلى القديم جديدا؛ قل أو كثر.
  أما الببغاوات فليسوا من شرذمة الأذكياء ولا من أنصاف الأذكياء.
   Å لا تعجبن إن عثرت بذكي لم يجلس على مقاعد المدرسة إطلاقا؛ ولم يعلمه معلم؛ بل استغل طاقاته في التعامل مع الواقع والوقائع، ولا تنتظر من هذا الذكي، الذي وصفت لك، أن يحل المعادلات الرياضية أو يتعامل مع الظواهر الفيزيائية.
وأتخيله الآن قادراً على ذلك قدرة حسنة أو ممتازة لو سعفه الحظ على الجلوس فوق مقاعد المدرسة، بل إني أراه كفءً على التحليل والانتقاد والتفسير والبرهنة...لو بسطت له المسائل بلغته ومفاهيمه، بعد تزويده بالسياق المعرفي للمسألة أو المسائل/ المشاكل. إن ما يميز الناس عن بعضهم إنما اللغة والرموز التي يستعملون والمقاعد التي يحتلونها. والأفكار المتداولة واحدة، فبعضهم يعبر عنها بالفرنسية أو بالعربية الفصحى وآخرون يتداولونها بالخطاب الدارج وبطريقتهم في الكلام.
  وذكاء هذا ليس فطريا كما قد يخيل بعض؛ بل مكتسب متعلم. وجهلنا بطرائق اكتسابه وتعلمه؛ وقد يكون هو كذلك جاهلاً بها؛ يدفعنا إلى الحكم على سلوكه بالفطرية.

 يمكن تقسيم الذكاء إجمالا إلى قسمين:
        ٭ الذكاء النوعي/ السياقي الخاص بحقل من الحقول الحياتية؛ وهو الذكاء الاقتصادي والسياسي والفكري والتربوي والتعليمي والأدبي والعلمي والتقني والفلسفي والروحي والوجودي... وهو ذكاء مرتبط بالتعلم؛ أو بصورة أدق؛ إنه مرتبط بتطوير التعلم؛ أي بالخبرة في إعادة إنتاج المتعلم / المعلومات والمعارف والبيانات، ويمكن أن نطلق على هذا الذكاء اصطلاح الذكاء المدرسي؛ والمعمل مدرسة والحقل مدرسة والكلية مدرسة والمطبخ في البيت مدرسة...
        ٭ الذكاء العام الشامل الذي لا يرتبط بحقل من الحقول المعرفية؛ ولا بمدرسة من المدارس. بكلمة أخرى إنه ذكاء متعلم؛ لكن بطرائق غير مباشرة، أو هو مزيج من الخبرات ذات الصنع المحلي، إنها بنات فكر المفكر، أنتجها وينتجها من خلال روابط يتحكم بها في المسائل والمشاكل.
     لا يتعلق الأمر هنا بالمتعلمين، بل كذلك بغير المتعلمين منهم، فقد تجد أميا من الأميين؛ بالمعنى الأبجدي للكلمة؛ وهو عبقري من العباقرة الذي لم تتح لهم الفرصة ليدلوا بدلاهم في الميدان؛ بسبب الفكر المدرسي السائد في الوسط المؤمن بالشواهد والدرجات العلمية / الشهادات الخبزية؛ المقصي الإقصاء التام للذين لا يحملون الشهادات المكتبية
(النجاح  بأي شكل من الأشكال من أجل الوظيفة/ الشغل ).
    
 لتكون ذكيا أنت مطالب بما يلي:
ü أيقن كل اليقين أن الذكاء من نصيب كل بني البشر على الإطلاق ما خلا الذين أبوا إلا تعطيل قواهم؛
ü اطلع على أفكار الأذكياء جميعها؛ كيلا تشغل فكرك بأمر سبقت إليه أو قتل بحثا.
ü تصور/ تخيل ما أخذته عن غيرك من الأذكياء، والناس عموما، رأس مال قرضاً، وعليك استثماره لترجع الديْن إلى أصحابه في الوقت المناسب وتستثمر الربح في التجارة والزراعة والصناعة؛ وفي ما يعود عليك بالربح عموما.
ü ناقش المسلمات والأفكار القديمة، وكذا الحديثة الموثوق فيها، وحاول ما أمكنك أن تجد حقيقتها.
ü أكثر من الانتقاد/ التمحيص، وليكن انتقادك مبنياً على الحجج والبراهين القوية؛ ثم انتقد من جديد، ولا تكن وثوقيا في النتائج التي توصلت إليها؛ فاكتشافك الأخطاءَ دال على القوة لا الضعف, ثم لا تكن عاطفيا في التعامل مع حصيلة النتاج، إذ التعلق بالنتاج قد يصرفك عن الحقائق.    
ü كن بحاثا عن الجديد والتجديد، فالماء الراكد يصاب بالأسون (نتانة الرائحة) إذا لم يتجدد، واعلم أن الشيء / الأمر / السلوك إذا لم يزد أصابه النقصان وما بعد النقصان إلا الفناء.


[1] فتُعيينا الحقيقةُ ونسوّغُ عجزنَا ونكميه بالفطرة والغريزة والجبلة...فنقول الأمرَ طبعي أو غريزي أو موهبة وُهبَها الإنسان أو غرزت في الحيوان.
   


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق