Translate

الاثنين، 18 يونيو 2012

وسائل الإعلام وسلوك الحدث


وسائل الإعلام وسلوك الحدث
                                                                                       حنافي جواد

    من خلال الدراسات التي تمت في مجال إجرام الأحداث من طرف علماء الإجرام تبين أن من بين العوامل التي تؤدي بالطفل نحو الانحراف هناك وسائل الإعلام بشتى أنواعه، و في هذا الصدد نجد العديد من النظريات المفسرة لمدى تأثر الحدث بهذه الوسائل و الدور الفعال التي تلعبه في تكوين السلوك المنحرف صقله لدى الحدث.

الفقرة الأولى: النظريات المفسرة للسلوك الجانح لدى الحدث و علاقته بوسائل الإعلام.

   لا يخفى على أحد أن وسائل الإعلام تتدخل بشكل أو بآخر في تكوين اتجاهات الأحداث أو الشباب في المجتمع الحديث إزاء مواقف الحياة الاجتماعية المختلفة وهذه الاتجاهات قد تختلف تماما عن اتجاهات الآباء أو المدرسين أو الجيل السابق. الشيء الذي يعمق التغيرات البنيوية في المجتمع، أي التغيرات في العلاقات السائدة بين الأعضاء و الجماعات و التغير في الأدوار و المكانات الاجتماعية والاقتصادية وهذا بدوره يؤدي إلى تغير الانتماء إلى فئات أو طبقات اجتماعية متمايزة.

   ولعل أبرز مظهر لتغير الانتماء هو ما نراه في مجتمعاتنا العربية الحديثة من تباعد بين جيل الآباء و جيل الأبناء.ويصل هذا التباعد أحيانا إلى درجة الصراع. هذا الأخير الذي عززته وسائل الإعلام، وهو ما يفسر لنا تلك الحقيقة التي أكدتها مختف الدراسات ا لمتعلقة بجنوح الأحداث أو المراهقين، وهي أن نسبة الجنوح في تزايد مستمر و بشكل أشد عنفا وخطرا وذلك نتيجة تأثير وسائل الإعلام وانعكاساتها السلبية على الفرد و المجتمع.

   وقد أبرز العالمان الأمريكيان ساترلاند وكريستي الدور الذي يلعبه صراع الثقافات بمعناها الواسع في حدوث السلوك الإجرامي. حيث تلعب وسائل الإعلام دورا مهما في حدوث الاحتكاك والصراع بين الثقافات، وبالتالي زيادة الإجرام والانحراف. و إلى جانب هده النظرية نجد أن هناك العديد من النظريات المفسرة لعلاقة وسائل الإعلام بالظاهرة الإجرامية عامة ولدى الأحداث خاصة.

    ومن أهم هذه التفسيرات تلك التي قامت على دراسة دور وسائل الإعلام إما في إنماء العدوانية المفرطة لدى الحدث أو في التخفيف من الحساسية و العدوانية الشخصية. إذ أن معظم الباحثين وجمهور الناس يتساءلون عما إذا كانت مشاهدة العنف في وسائل الإعلام تجعل الأطفال والمراهقين أكثر عنفا.

   وقد خلص الباحثين من خلال دراستهم إلى أن أكثر الطرق وأوضحها التي تساهم من خلال مشاهدة العنف في تكوين السلوك العنيف هي التقليد أو التعلم الاجتماعي إذ أن هناك حصيلة كبيرة من الدراسات النفسية التي تبرز أن تعلم الصغار يتم من خلال التقليد و المحاكاة وهذا ما يسمى بنظرية النمدجة أو نظرية التعليم والتقليد، فمعظم الآباء يعرفون أن الأطفال يقلدون مفردات التلفاز ومشاهده في سن مبكرة، لكن أصحاب وسائل الإعلام بالرغم من عدم استطاعتهم إنكار أن التقليد يحدث في بعض الأحيان، فإنهم يدعون أن الآثار قليلة وغير مهمة لكن الحقيقة هي أن الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في التطور الاجتماعي للفرد وذلك بالتركيز على إمكانية المشاهدة المتكررة للجريمة و العنف الذي تغطيه وسائل الإعلام وما تؤدي إليه من محاكاة و بالتالي تعلم وتقليد سلوك بعض الشخصيات العدوانية التي تقدم كنماذج ليقتدي بها من طرف وسائل الإعلام خصوصا تلك الشخصيات المتحدة معهم في الجنس و السن و الظروف الاجتماعية و الاقتصادية، وفي ظل عالم بدون حدود يسود فيه نظام العولمة حيث أصبحت المعلوميات منتشرة بشكل مطلق خاصة مع ظهور الحواسب الالكترونية و الصحون الهوائية أو ما يصطلح عليه بالعوالم الافتراضية، فإن الملاحظ هو وجود تقلص حاد للرقابة حيث أصبح كل شيء مباح خصوصا إذا انعدم الرقيب و الضمير والتربية، ففي ظل هذه الوقائع فإن الحدث يكون أكثر عرضة لاكتساب السلوك العدواني أو الجانح حيث أننا نشاهد يوميا عبر الأخبار المرئية السمعية أو الصحف المقروءة انتشار شبكات واسعة تعمل على ترويج صور الاستغلال الجنسي و العنف التي تقع على الأطفال مما حدا بهؤلاء إلى تقليد ما يسمعونه و يشاهدونه إذ يكونون بمثابة أداة استقبال خصبة يمكن لها تلقي جل المشاهد العدوانية واكتسابها وإعادة برمجتها وبالتالي تنفيذها وفق ما يناسب سنهم و تكوينهم الفزيولوجي خصوصا وأن الدراسات أثبتت أن الأطفال هم أكثر استعدادا لتذكر العنف واستعمال أساليبه و هذا ما أكداه العالمان باندورا و والتدز.

    وتعد هذه النظرية امتدادا لنظرية لا تقل أهمية عن سابقتها و هي نظرية الاستثارة أو نظرية إثارة الحوافز العدوانية، هذه النظرية التي ترتكز على عامل الإثارة السيكولوجية عند الفرد، و هذا معناه أنه كلما ارتفعت المؤثرات و الحوافز و المشاهد العدوانية إلا و ارتفعت نسبة احتمالات اكتساب الطفل للسلوك الجانح - العدواني -.

    ووسائل الإعلام بما تقدمه اليوم من أفلام و برامج تلفزيونية شديدة العنف تعد أهم مثير للعدوانية لدى الفرد وخاصة الطفل الذي يكون أكثر استجابة لهذه المؤثرات و الحوافز التي ترسخها هذه الوسائل مما يؤدي إلى إنشاء تلك العلاقة التلقائية بين الحافز و الاستجابة لدى الفرد و بالتالي اكتساب السلوك العدواني و الجانح.
الفقرة الثانية: آثار وسائل الإعلام على سلوك الطفل الجانح:

لقد فرضت وسائل الإعلام وجودها على الإنسان وسيطرت على حياته، بعد التطورات التكنولوجية الكبيرة التي تم التوصل إليها في مجال الإعلام و الاتصال.
ولم يعد بمقدور أيا كان أن يعيش بدونها، حيث تطارده في كل مكان من خلال التنوع الكبير في وسائلها، سواء بالصوت من خلال الإذاعة، أو من خلال الكلمة في الصحف و المجلات و بالصوت و الصورة من خلال التلفزيون و الفيديو والسينما والانترنت لتنقل له الخبر والمعلومات وتفسرها له.
    
      ولم يعد جمهور وسائل الإعلام والاتصال مقصورا على الكبار بل أصبح الأطفال أكثر عرضة لهذه الوسائل وأكثر استجابة لمضمونها بحكم قابليتهم للاستهواء و التقليد والتقبل وشدة التأثر بمختلف المواقف والآراء.
إن الأثر الذي تحدثه وسائل الإعلام وخصائصها، وان كان أكثر هذه الوسائل تأثيرا هو التلفزيون، بحكم انتشاره، وما لديه من طواعية في الاستخدام من خلال الصوت و الصورة، لذلك وجب على القائمين على وسائل الإعلام تكييف البرامج العربية المحلية و الموجهة للطفل في ظل الغزو الإعلامي الأجنبي و ما يقدمه من معلومات و برامج، خاصة تلك التي تعرض ثقافته و نمط حياته و استهلاكه إلى جانب تلك القصص الخيالية و أفلام العنف و الجريمة، ذلك أن الطفل و في هذه السن المبكرة تكون لديه القدرة على تقليد أبطال الروايات المعروضة و التعاطف مع شخصياتها، مما قد يؤدي في النهاية إلى الانحراف أو التعرض له.

    وأجهزة الإعلام متعددة و متشبعة و هي إذا أهملت و أسئ استخدامها و لم توجه التوجيه الصحيح فإنها قد تصبح سلاحا هداما يساعد على الانحلال وعلى الجمود و التخلف و الانحراف و الجريمة فعلى سبيل المثال، عن بعض الأبحاث التي أجريت عن الصحافة و الأحداث ورد في تقريرها أن الأحداث يفضلون قراءة الصحف اليومية و يفضلون أخبار الجريمة و الحوادث على غيرها من المواد، فالصحافة يمكن أن تؤثر على ظاهرة الإجرام عند الأحداث بتصويرها الشيق لوقائع الجريمة و تصوير الجريمة وكأنها أمر طبيعي وذلك بتكرار ذكر الجرائم بشكل موسع و ملفت النظر، كذلك عن طريف وصف الجريمة بأنها تجلب الربح لصاحبها كما هو الحال في بعض السرقات الكبيرة، و نشر شهوة المجرم أو الصغير بحيث يستحق إعجاب عصابته من ناحية، ولا يطاله العقاب و التحقيق و السجن من ناحية أخرى. لذلك نرى أن نشر وقائع الجرائم بصورة مستمرة و بشكل مكثف في الصحف و المجلات يثير اهتمام الرأي و يصور له أن تحقيق العدالة أمر في غاية الصعوبة، و بذلك ينصب الاهتمام على الإجرام و المجرمين بحيث يبدو أن الفعل الإجرامي أمر عادي و متوقع حصوله في الغالب وهذا التأثير يكون بالغا عند الصغار.

   وأما عن تأثير السينما من جهتها، فاغلب الأحداث يعيشون وقائع الفيلم أثناء العرض و يسهل استجابتهم لتلك المؤثرات، بل أن هذا يزداد طرديا مع صغر السن.فالسينما وما تعرضه من صور جنسية فاضحة أو صور العنف تؤدي بالشباب إلى عدم الإحساس بالآلام الإنسانية و انعدام القيم الأخلاقية لديهم. فالأطفال يقلدون عادة بطل الفيلم في تصرفاته، ويعرضون في مخيلتهم مشاهد الفيلم، والعواطف المؤثرة بما فيها القتال و الخوف و الحزن و الاضطراب و العاطفة و قد يكون التأثير عظيما عندما تظهر قصة الفيلم و كان بطله ينجو دائما من العقاب. و قد أثبت بعض التجارب أن لعرض الأفلام تأثيرات متنوعة على الأحداث بصفة خاصة و هم الذين لم يكتمل إدراكهم و لم تصقل خبرتهم بعد فهده ظلمة القاعة و ما يصحبها من جو خاص يشجع على السلوك السيئ، كذلك ما نراه من مشاهد مخلة بالحياء قادت بعض الفتيات إلى مهنة الدعارة و التشرد. كما قادت بعض الأولاد إلى ممارسة ضروب جنسية شاذة و أدت ببعضهم إلى الانضمام إلى عصابات، كما أظهرت التجارب و الدراسات أن بعض السرقات الكبيرة كان الدافع إليها تردد الأحداث بشكل متكرر إلى قاعات السينما كما يجب ألا ننسى دور المؤثرات الاجتماعية الأخرى و على وجه العموم فان الأحداث الذين يعيشون في مناطق الانحراف يتأثرون أكثر من غيرهم بمشاهد الفيلم يفوق تأثر البالغين بذات المشاهد .

     إن موضوع الآثار السلبية التي تخلفها وسائل الإعلام، لاسيما التلفزيون على السلوك الإنساني يعتبر من الموضوعات الحديثة نسبيا، وعلى الرغم من ذلك ما كتب حوله وما يزال يكتب يشكل تراكما هائلا من الدراسات والأبحاث والمقالات لا يتناسب مع حداثته وجدته.

   وقد يكون السبب في هذا التراكم أن الموضوع لا يهم فقط الأكاديميين، بل يهم أيضا شرائح عديدة من المجتمع، الآباء، المربين الإعلاميين، رجال الدين، رجال الأمن....الخ
     وإذا كنا مختلفين عن الدول المتقدمة في المجال الإعلامي، إلا أننا نسير في ركاب هذه الدول بحكم علاقة التبعية التي تربطنا بها، والتي تزداد يوما بعد يوما، وبفضل التطور الذي حدث في مجال التكنولوجيا الإعلامية، أصبح باستطاعة أي إنسان يتوفر على جهاز استقبال وتلفزيون أن يلتقط البرامج التي تبتها مختلف المحطات في العالم وفي بعض الدول أصبح حتى بإمكان الأطفال شراء جهاز استقبال وتلفزيون من المصروف الذي يمنح لهم 41 % من الأطفال والشباب الأمريكيين يتوافرون على جهاز تلفزيون خاص بهم، أهدي إليهم أو اشتروه بأنفسهم.

    وعندما تطرح مشكلة انحراف الأطفال والشباب وعلاقتها بوسائل الإعلام، غالبا ما تعالج بكيفية جزئية معزولة عن البناء الاجتماعي والثقافي للمجتمع وينظر إليها كأنها حالة مرضية يمكن علاجها كما تعالج الحالات الباتولوجية المرضية التي تعتري الجسم، دون عليه أية تغييرات جوهرية، وهذا الطرح المبتور لمشكلة الجنوح وعلاقتها بوسائل الإعلام يعزز عملية الاختراق الثقافي والإعلامي للمجتمع العربي، إذ أنه ينطلق من التسليم بشرعية البنيات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية القائمة، وبأن أي خلل في هذه البنيات يمكن علاجه بأساليب "ترقيعية" يسمح لها بالانتعاش والاستمرار.

     فوسائل الإعلام بما فيها التليفزيون الحالي، يغلب عليه الإنتاج الغربي المروج لقيم وعادات غربية عن قيمنا وعاداتنا، يساهم في تشجيع الأطفال والشباب على الانحراف كلما كانت ظروفهم (النفسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية....) تهيئهم لتمثل هذا التأثير، وإعادة إفرازه على شكل سلوك منحرف وغير سوي، وهذا لا يعني أننا نرجع الانحراف إلى مجرد مشاهدة التلفزيون، وإنما نتوقع أن يعزز التلفزيون ميل الأطفال والشباب لانحراف كلما كانت ظروفهم تدفعهم إلى الخروج عن قيم المجتمع وعاداته وتقاليده.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق