Translate

الاثنين، 18 يونيو 2012

أنجاهُ ذَقْــنهُ


أنجاهُ ذَقْــنهُ
    غلَّقت كل الصيدليات والعيادات الطبية أبوابها مضطرة...في مشارق الأرض ومغاربها، انتهى زمن الأمراض والأوبئة والتوترات النفسية... غضب الممرضون والممرضات والصيدلانيون والصيدلانيات والأطباء وفرق إنتاج الدواء. احتجوا جميعا وعبروا عن استيائهم من الأزمة التي حاقت بهم وأحاطت بمشاريعهم وجيوبهم... طلبوا الجهات المسؤولة بمطالب كثيرة وألحوا في الطلب.
-     قال كبير الأطباء: إننا لا نطيق هذا... إننا الآن في أزمة حقيقية. نريد حلولاً ناجعة تعيد لنا الاعتبار والمال.
-     قال المسؤول: ليست لنا حلول عملية. ماذا سنفعل؟
-     قال كبيرهم: ما دمت تحملت المسؤولية فأنت قادر على إيجاد الحل المناسب في الوقت المناسب. فإذا لم تجد لنا حلا فلن نقبلك مسؤولا ولا شبه مسؤولٍ. سنـزيل لك حقيبتك لمنحها لمن يستحقها ممن يستطيعون إيجاد الحلول وإخراجها من أسْرِ الأزمة.
-  قال المسؤول: سننشر بين الناس أمراضاً وأوبئةً تدفعهم إلى صيدلياتكم وعياداتك دفْعاً وتنعش مصانع إنتاج الدواء إنعاشا فتتحرك دواليب الاقتصاد.
-     قال كبيرهم: فكرة طيبة وحل جميلٌ. إنك الرجل المناسب في المكان المناسب.

    وانتشرت أمراض وأوبئة وجراثيم ففتحت الصيدليات والعيادات وشركات إنتاج الدواء أبوابها وفرح الصيادلة والأطباء وأرباب الشركات المنتجة للدواء. كما فرح كل موظفيهم فانتعشوا جميعاً.

    وعجزَ الأطباء عن تشخيص الأمراض والأوبئة المنتشرة عجزاً منقطع النظير، ورغم عجزهم فقد امتلأت جيوبهم... فقصد الناس المسؤول يجادلونه يحكون له وضع عجز الأطباء عن تشخيص الأمراض، بكواْ بكاء وصاحوا من الألم صياحاً، فتأثر المسؤول وحنَّ قلبه وندم على فعله حتى كاد يغمى عليه.
-     قال المسؤول: سأناقش أمركم مع الأطباء وأهل الاختصاص.
-  قال مريض: والمطلوب منكم سيدي أن تصلوا إلى حلول عملية تنجينا من طعنات الأمراض والأوبئة. فقد كثرت مصاريفنا في الدواء وقلت الجدوى.
-     قال المسؤول: سأحاول باذلاً أقصى جهدي.

   ولما عادَ المسؤول إلى بيته أدرك أنه مصاب بمرض انتقل إليه من المرضى الذين حاوروه. فأحسَّ بألم كبير وضيق شديد. فانضم ندمه القديم إلى مرضه الجديد. فقضى ليلته يقظان وشاركه أفراد أسرته الألم والسهر.

   وفي الصباح أخبرت زوجه بوفاته، ولم تحزن للحدث الحزن المطلوب. أخبرت أبناءها بخبر الوفاة وهي هادئة الروع، واستقبلت الحاضرين للعزاء من أقاربه وأقاربها والجيران...بهدوء وبرودة، حتى زعم بعضهم مسيئا للظن أنها كانت سببا في وفاته.
فحصه الطبيب كبير الأطباء، قبل تشييع جنازته فزعم أنه مات متأثرا بمرض. أخبر الطبيب الزوجة بمرض الوفاة...ثم طلب منها أجرة الفحص.
- قال كبيرهم: أجرة عملي.
- قالت الزوجة: لم تقم بعمل يستدعي أجراً. إنك مجرم كبير. لقد كنت سببا في وفاة والد أبنائي. ويستحق زوجي هذا العقاب الدنيوي لأنه شارك في العمل الإجرامي. لن أعرض القضية على المحاكم الدنيوية لأنها لن تنصفني.
- قال ابن المتوفى: أنا حاصل على الإجازة في القانون، أستطيع أن أتابع القضية في المحاكم وسأضطرهم للخضوع للحق! لا تقلقي يا أماه.
- قال كبيرهم: ادفعوا لي أجرتي كاملة وافعلوا ما شئتم وأنا مستعد.

    دفعوا للطبيب أجرته فأخذها بيده اليسرى ثم وضعها في محفظته ودعا الله بإدامة النعمة والبركة، وتوجه صوب سيارته فركبها وانطلق مسرعا.

     ثم شيعنا جنازة الميت نمشي خلفه وعن يمينه وعن شماله نذكر الله في أنفسنا. وعدنا من المقبرة يغالبنا الضحك لقول ابن المتوفى:
" أنا حاصل على الإجازة في القانون...".
-     فأي إجازة؟ وأي قانون؟

   ضحكنا حتى فاضت أعيننا دموعا. فظهر الضحك على وجوهنا فأثرنا انتباه المارة راجلين وراكبين. نهرنا رجل فما انتهرنا وزجرنا فما انزجرنا وضربنا فما ارتدعنا...فانتشر الضحك انتشار العدوى فضحك أهل المغرب جميعا وتبعهم أهل المشرق وأوربا وأمريكا   وحتى أهل الصين سوى رجلٍ بقريةٍ نائية، كان مشغولا بحلق رأس ابنه، فأنجاه الله من العدوى. فعرف الرجل بين قومه وفي أنحاء العالم بحالق شعر ابنه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق