حنافي جواد
نظرية في المنافسة
- التنافس غير الحسد. فالحسد[1] سلوك مرضي بينما التنافس سلوك محمود ومطلوب من كل عاقل.
- اختر الذي تنافس، وليكن عاقلا حكيما عالما متحكما في نفسه غير خاضع لغيره.
- فكر في تجاوز الذي تنافس، وليكن تجاوزك مسموحا به في قانون التجاوز.
- من قوانين التجاوز التفكير الفعال في الحلول الجديدة غير المعهودة، وتجديد الذات بين الفينة والأخرى// سنة على أقل تقدير.
- من قوانين التنافس: التنافس في الصالح المفيد النافع في هذه الدار وفي التي تلي، أما التنافس في الشر والتخريب والتلويث فمن أعظم الجرائم وأبشعها على الإطلاق. ثم إن التنافس من أجل التنافس دوران في حلقة مغلقة؛ فالتنافس الصحيح ما كان صلاحا كله أو أكثره؛ عائدا بالنفع الآجل / والعاجل على المتنافس.
- ليست المنافسة هي التقليد المرضي، ولا فعل ما يفعله الغير، ولا المحاكاة والتماهي مع الناس؛ بل هي الحرص على التجاوز والتجديد والنفع.
- اقتباسك أفكارا وتصورات من الغير، هو بمثابة أخذ القرض لأجل الاستثمار والإنتاج. فالربح ونجاح المشروع هو الضامن لتسديد الديون التي أخذتها من الآخر/ الآخرين.
- لُمْ نفسك إن اقتبست من الغير أفكارا وتصورات ولم تطورها؛ ولَمْ تضف عليها بصمتك.
- لو سلك الناس مسلك المنافسة، كما وصفت، لتطورت الحياة وتقدمت... لكن الغالب الأعم في الناس التقليد والتعلق بأفكار الغير وتصوراتهم للأشياء والأحداث.
- ليس من صور التنافس فتح محل لبيع المواد/ الآلات عينها التي يبيعها جارك؛ وليس من التنافس أن تجد عشرات المقاهي في الشارع الواحد؛ ويكفيه مقهى واحد.
- لا يحمل مدلول التنافس الاحتكار وقهر المشتري؛ ولا البيع بأثمان تضر بالتجار الآخرين؛ ولا تأليف كتاب واحد في الموضوع المعين...بل يحمل معنى أخلاقيا إيجابيا.
- كن منافسا وفق قانون أَرْبَحُ وَتَرْبَحُ/ نربحُ معا، ولا تكن منافسا وفق قانون أَرْبَحُ وتَخْسَرُ ولا وفق قانون أخسر وتربح أو أخسر وتخسر.
- للمنافسة حدود معلومة الوقوف عندها ضرورة. منها أن يكون بين المتنافسين قدر مشترك يؤهلهما لخوض التجربة. وعند انعدام نقاط الاشتراك فلن يتحقق المقصود.
- من الذكاء في التنافس فهم طريقة وأسلوب ومنهج المتنافس معه. وهذا أسُّ عظيم من أسس المنافسة. والفهم هنا ليس إجماليا، بل تفصيليا. فالأمر يحتاج إلى دقيق نظر وعميق فهم وتتبع مستنير.
- ليس الهدف من المنافسة؛ كما أشرت قبلا؛ هو التقليد والاتباع بل هذا غير مقصود من كلامنا. إن أسمى الأهداف أخذ المسار الصحيح وفهم مسالكه ودروبه المفضية إلى البابة المحجوج إليها.
- مما يندى له جبين، من ملئ قلبه تقوى أو من كان له قليل من العقل، أن التنافس قائم على قدم وساق في الشر لا في الخير. فالناس تندفع وراء الناس أفواجا أفواجا في مقدمتهم صانعو الثقافات بآلاتهم وعتادهم. ويا ليت هذا التنافس كان في حقول الخير والمعروف.
- اختير التنافس في الشر وقدم على الخير لأن الأهواء نزاعة منقادة انقيادا مرضيا لرواد الشر وصانعيه. فغذاء النفوس المريضة مرض. فمسألة الاختيار إذن آيلة إلى أمرين اثنين:
* أولهما: ضعف جنود الداخل.
* ثانيهما:قوة جنود الخارج.
- يذهب بعض الباحثين[2] إلى القول:« تنافس مع نفسك وقدراتك ولا تتنافس وغيرك؛ فبالإمكان استخراج قوى من نوع آخر؛ فأعظم منافس هو نفسك وذاتك وقدراتك. ويذهب بعض آخر إلى الحديث عن الآثار السلبية للتنافس؛ فلا ينصحون به ».
قال ديفيد فيسكوت في كتابه:" فجر طاقتك في الأوقات الصعبة- كتاب في التأملات": « إن من ليدهم نزعة تنافسية قد يفوزون ، ولكن لا ينضجون أبداً حق النضج حتى يعملوا لصالح أنفسهم» .
أما عن الموقف الأول:
فهو موغل في التجريد للغاية، بل يمكن القول إن به شيئا من الطوباوية. نقول لهؤلاء إننا عندما ننافس أنفسنا وقدراتنا إنما ننافس في حقيقة الأمر الثقافة التي ارتضعنا لبانها؛ ننافس- أنفسنا وقدراتنا- وفقا لتصورنا وتخيلنا للنموذج المتنافس معه، ونحن نعلم جميعا أن تصور الإنسان لنفسه ينبعث من البرامج التي تحملها عند نعومة أظافره؛ وينبعث كذلك من المناخ الثقافي المحلي والعالمي الذي يعيشه، الذي يخضع لتأطير السياسات المحلية؛ وينبعث من عوامل أخرى يصعب التفصيل فيها علميا أو إخضاعها لقانون العقل والنظام.
( وبهذا تتميز الظاهرة البشرية عن غيرها من الظواهر الفيزيائية والطبيعية؛ بل يمكن القول: إن العلم في أيامنا هذه في طور تجاوز العقل الجامد المتناول للظواهر في انفرادها واستقلالها عن بعضها؛ نحو نظرية تعرف في الأوساط العلمية بنظرية الشواش)....
- أما عن الموقف الثاني:
فهو بإيجاز؛ راجع إلى اختلاط مفهوم التنافس بالتقليد؛ أو حمل التنافس محمل التبعية والتعلق بالغير؛ أو راجع إلى اقتراب مصطلح التنافس من مصطلح الحسد...
( وهذا ما صرح به ديفيد فيسكوت في كتابه السابق، قال: « فإن أفعالك تنبع من الحسد وعدم الإحساس بالأمان لا الاختبار الحر» فبسبب الاختلاط هذا اعتبر بعضهم التنافس منهجا غير تربوي.
لا يستطيع الإنسان أن يستغني عن موروثه الثقافي وعن تجارب سابقيه، بل ليس من المعقول أن يفعل ذلك. وقصدي بالموروث هنا كل ما يشهد الشرع والعقل بصلاحه.
فالحضارات تأسس بعضها على تجارب بعض، ومجهودات الناس لا تخرج عن السياق العام، وإن ظهر خلاف ذلك في بعض الأحيان.
البحث في قمامات الموروث العقلي مسألة بالغة الأهمية للنقد والتطوير وبناء الطرائق الجديدة. إن مناقشة المسلمات والبدهيات ضرورة منطقية، إذا لم تتجاوز حدود المعقولات المرئيات المسموعات. فكثيرة هي الأفعال التي يتنافس فيها الناس اليوم تنافسا حادا وعند عرضها تحت مجهر العقل يظهر عوارها وخواؤها.
- حسد رجاء الزوال: يترجى المصاب بالحسد المرضي زوال النعم عن الناس وانتقالها إليه.
- حسد تمني البقاء: يتمني المصاب به بقاء النقمة أو الشر للمحسود، ولا يترجى حصول النعم له. وهو حسد مرضي.
- حسد الغبطة: يتمنى الحاسد أن يكون له ما للمحسود. وهو لا يتمنى زوالها عنه. وهو الحسد الصحي.
[2] ظهرت بعض الكتابات تحت ظل ما يسمى بعلم التنمية البشرية، تقوم على مغالطات رئيسة، إنها تخيلت الإنسان مستقلا عن المنظومات الداخلية والخارجية.كيف ذلك؟
إنها تخيلت الإنسان آلة من الآلات التي يمكن برمجتها والتحكم فيها كما يحلو للمتحكم ويطيب. وذلك ليس كذلك لسبب سهل هو تعدد المؤثرات والمثيرات التي يخضع لها صباحا مساء. ثم أنها تتجاهل الثقافة الأصلية الأولى (البرامج الأولى) التي يترعرع فيها الطفل، قبل أن يصل إلى أيدي المبرمجين الجدد. زد على ذلك مسألة خطيرة، القلة القليلة من يردك تأثيرها، وهي تعمل في استقلال عن كل العوامل، وهي الطبيعة الجغرافية البشرية الميالة نحو المنحدرات. البشر كل البشر يخضعون لمؤسسات، لهذا فالجد والاجتهاد والمثابرة والتقدم والنفس الطويل والتحدي والإيجابية وتفجير القوى...لا يتم إلا إذا صلحت المؤسسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية...فهذه بمثابة المقام المحدد للقسمة، أما الجد والاجتهاد... فهو بسط. ومراعاتهما معا ضرورة...هذا بإيجاز شديد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق